29 أغسطس 2022

.

 

نصف عقلاني ونصف عاطفي يسيران معا في الدم. كان على نصفي أن يكون حنونا هشًا رقيقًا، وأحياناً حزيناً.. وعلى نصفي الآخر أن يكون عنيدًا طاغيًا، لا يسمح له بالحزن أو الهشاشة، أو بإظهار رقته أحيانًا. لديه ثراءه من المرح واللامبالاة، كما لديه ثراءه من السيطرة.

أظهر للعالم نصفي العقلاني الذي يطوّع كل شيء بعناده.. لكن نصفي العاطف، أظهره فقط للحب وللأشياء التي أحبها. وبرغم ذلك يطغى على كل ما بالداخل.

17 مايو 2022

نحن أبناء ذاكرتنا أحياناً.. وأندادها دائماً (حوار صحفي)

حوار مع: إسـلام أنـور
مجلة عالم الكتاب / العدد 66 - مارس 2022

____

 _الموت والخذلان والوحدة والألم لهم حضور قوي في كتابتك إلى أي مدى تمنحك الكتابة مساحة للتحرر من تلك الهواجس والأوجاع؟


* يتعين على الكاتب أن يأخذ الأشياء الأكثر شيوعًا في حياته وفي الحياة حوله - من المشاعر، الصفات، الأسماء، الضمائر، الأفعال، الأحوال - ليشكلهم معًا ككرة ويجعلها ترتد إليه في مخيلته. ثم يقوم بتحويل تلك المعطيات بطريقة معينة ليجعل الناس يدخلون في المزاج العاطفي لما يكتب. وبطريقة أخرى، في مزاج حي، يحمل انعكاسا بمخزون وعيه الخاص الذي شكلته الحياة.

وكما ذكرت من قبل، فأعتقد أن الكتابة لا تحرر أحدًا من هواجسه أو تشفي ندوبه، وهي ليست عملية علاجية بالضرورة. بل عملية تدوير، يمكن للإنسان إعادة تدوير الأشياء وتصريفها خلال الكتابة بحيث يتمكن من التعايش معها أو تخطيها. بما في ذلك هواجسه واهتماماته وقضاياه وآلامه.



_عنوان ديوانك "أجمل الوحوش التي عضت روحي" يحمل قدر كبير من المفارقة والسخرية من الجمال والتوحش كيف ترى هذا التناقض؟


* عنوان الديوان جاء حاملًا للمفارقة التي يحملها الديوان في متنه، المفارقة بين الألم والعذوبة، الانتماء والتملص، الحب والتأذي، الرحمة والقسوة، ومفارقة التوحش والضرر الذي يتخفى في صورة الجمال، ومفارقة الجمال الذي يتوحش بينما نراه على صورته الأولى التي أحببناها ويلزمنا زمن للتصديق أنه بذلك التوحش. 



_سؤال الزمن والذاكرة لهما حضور بارز في كتابتك كيف تتأملي التغيرات التي يحدثها الزمن في حياتنا وبرأيك إلى أي مدى نحن أبناء ذاكرتنا؟


* نحن أبناء ذاكرتنا أحيانًا، وأندادها دائمًا. الذاكرة ظل للإنسان يقف ندًا له، أحيانًا يألفه ويحبه، وأحيانًا يصارعه. والكتابة هي صناعة وإعادة تدوير للذكريات والذاكرة، الكاتب مصنع ذكريات حي متجدد. يحاول منح أعماله عمرًا، ويبقى حيًا وفاعلًا في ذكرياته.

عندما أكتب تصبح سلطتي على الزمن أكبر من العالم. وأرى كيف أن أغلب الناس تصارع الوقت وتنتظر اللحظة، لكننى أعيشها وأكتب. لأننى لا أريد أن أنتظر اللحظة؛ بل أريد أن أنغمس فيها وأحتفظ بها لأستردها مجددًا، وأصنعها إن لزم الأمر. اللحظات الفارقة فى الحياة لا تنتظرنا، إنما تسرع بالرحيل، ودون عودة أحيانًا. فيجب أن تكون هناك دائمًا خزانة استرداد لأنفسنا وزمننا وذاكرتنا، والكتابة خزانة ونافذة، جرح موارب فى اللغة حين تكون المخارج مغلقة.



_تفتتحي مجموعتك القصصية "فسحة بويكا" بجملة تطرح العديد من الأسئلة عن ماهية الكتابة "هذه النصوص مثل كل شئ آخر، صالحة فقط حتى لحظة الانتهاء من كتابتها" ماذا تعني لك الكتابة؟


* الكتابة تشبه تمامًا المطبخ، هي مطبخ دائم للتجربة والشخصية والجدوى. لذلك تتأثر وتتغير ب/مع كل منهم، فلا يمكن الحسم بصلاحية أفكار الكاتب في مرحلة ما للأبد. كل مرحلة لاحقة ستضيف أو تحذف مما سبقها من مراحل بحسب ما تكتسبه شخصيته أو تتخلى عنه من أشياء. ونفس الشيء بالقياس على وعيه وإدراكه ورؤيته للعالم ولغته ونضجه. لذلك، النصوص مثل أي شئ آخر في حياة الإنسان وشخصه، صالحة كمعيار حتى لحظة الانتهاء منها فقط. والكتابة تعني لي حياة موازية أخلق بداخلها شتى أنواع الحيوات التي لم تسعها الحياة العادية. كذلك، الكتابة كانت وسيلتي الوحيدة المتاحة لترميم ما أراه قبيحًا وفاسدًا وقاسيًا في العالم، وجعله أكثر إنسانية وعدلًا في صورة ما ولو مجازية، أو إسقاطية، أو فانتازية. الكاتب لا ينبغي أن يجعجع بلا طحن، أو يناضل بالكليشيهات الخرساء نظريًا كالآخرين. بل أن يغرس انحيازاته وأفكاره وقيمه بصورة عرضية ذكية وحساسة في أدبه. أن يغير ولو عقل واحد يدخل إليه من خلال المخيلة. أن يزرع أفكاره ورؤيته للعالم لكي تعيش أطول منه، وتظل تنبت للأبد. تلك هي المقاومة الحقيقية.



_الرسم والموسيقى والتقنيات السينمائية من مونتاج وفلاش باك لهم حضور بارز أيضا في قصصك كيف ترى العلاقة بين تلك الفنون المتنوعة؟


* أرى الفنون جميعا مجموعة من ألوان وحواس الحياة، لا يمكن الاعتماد على لون واحد أو حاسة واحدة دون الآخرين، لتكتمل صورة ما. لذلك فالعلاقة بينهم متداخلة وقائمة ومستمرة. وشخصيًا أنحاز لكل أنواع الفنون، وكنت أتمنى لو أتقنها جميعها أيضًا، فلطالما تمنيت لو أنني أتمتع بصوت مناسب للغناء، أو أجيد عزف آلات مختلفة، أو أملك مهارات سينمائية. لدي نهم لتذوق كافة الفنون، وشغف لممارستها كذلك.


_لحظة البداية تحمل غالبا ذكريات ومفارقات عديدة كيف بدأت رحلتك مع الكتابة وكيف تتعاملي مع تعليقات القراء والنقاد على كتابتك؟


* اتجهت للقراءة أولًا في سن صغيرة بعد شغفي بحكايات النوم من أمي، ثم تطوره مع قصص ومجلات الأطفال. وبدأت محاولات الكتابة بعدها، كتابة عفوية طفولية بالطبع، قصص أو خطابات، بل وكنت أهوى في زمن ما تأليف حكايات عن أصدقاء خياليين يزورون أحلامي من عالم آخر وأسردها على عائلتي وأصدقائي حتى أول المرحلة الابتدائية، ثم اتجهت للمشاركة في المجلات المدرسية، حتى أنني صممت مجلة خاصة في طفولتي بالمنزل، وأجندة بهيئة كتاب أقاصيص. بالطبع تطور الأمر وكان يتخذ طابعًا أكثر جدية ونضجًا ووعيًا على مر السنين وهكذا.

أعتبر التفاعل مهم كمعيار لتذوق المادة، وأتعامل معه ومع النقد بشكل محايد وتلقائي، فالنقد الصحيح قد يلفت انتباهي لما قد أغفل عنه أو ينبغي العمل عليه في كتابتي. والمديح قد يطمأنني ويشجعني عاطفيًا لكنني أمتن كثيرًا دون أن أتوقف عنده.



_تكتبين القصة والشعر وتعملين بمجال الترجمة من خلال تجربتك كيف تري خصوصية كل وسيط منهم وأيهم أقرب إلى قلبك؟


* أنا منحازة للقصة القصيرة تمامًا وأفضلها على الرواية، أعتبرها بمثابة بيت لي أتنقل وأعود إليه بالضرورة. لا يمكنني تخيل الحياة دون وجود القصص أو نسجها، وكذلك، ليس هناك معاناة أكبر من أن تحمل قصة غير مروية بداخلك. أما الشعر، فهو يستحوذ على كل شيء، روحي ورؤيتي للعالم وخيالي وقراءاتي، الشعر يسيطر حتى على إلهامي ومخيلتي عند كتابة النثر، ولغتي السردية. أعتقد أن الشعر هو أقوى لغة يملكها العالم.

بينما بدأت الترجمة من الرغبة في مشاركة ما أحببته أو ما تمنيت كتابته بنفسي ولم تتسن لي الفرصة. وكي يتحرر النص من سجن لغة ونطاق واحد ولا يندثر دون أن يصل إلى ما يستحق من الانتشار. ثم أردت أن أتقن الترجمة، لا أن أستخدمها للاطلاع والمشاركة فقط، وجدتها مغذّية لمخيلتي ووعيي، وضرورية للحفاظ على طاقة التواصل المتبادلة عبر الكون ولياقة الحياة. 



_سؤال اللغة كذلك من الأسئلة البارزة التي تواجه معظم الكتاب كيف تتعاملي مع هذا السؤال؟


* أعتقد أن الكتابة ذاتها إجابة لسؤال اللغة. اللغة تشبه الإنسان، ما نتوقعه من الإنسان نتوقعه منها. لذلك فهي لا تملك ملامح وأحوال ثابتة حول العالم. ولا يمكننا القول بأن اللغة وحدها هي الخلاص، بسبب ذلك التباين، لكن اللغة هي المنفذ الذي يجد عبره الإنسان متنفسًا للخروج من المآزق الحقيقية في الوجود. اللغة ترضي حاجة الإنسان للتواصل والهروب في الوقت ذاته.



_في كتابتك هناك إحالة للعديد من الكتاب والكاتبات مثل كافكا ونازك الملائكة من أكثر المبدعين الذين تأثرت بهم؟


* في بعض الأحيان أحب الإشارة لبعض الكتاب في بعض المواضع، أو أستعين أحيانًا ببعض المقتبسات التي تتداخل مع حالة النص. في مجموعتي القصصية الثالثة أيضًا أعتمد على مداخل شعرية وتقاطعات أدبية كما أحضرت بعض الكتاب بشخوصهم إلى أحداث بعض القصص.

أحب من الكتاب عدد كبير، وأتأثر ببعضهم، في السرد يسعفني أن أتذكر منهم: ميلان كونديرا وربيع جابر ونجيب محفوظ وخوان مياس ودوستويفسكى وعبد الله ناصر وجيم هاريسون وكالفينو وأصلان ويحيى الطاهر وماريو بينيديتي وأحمد عبد اللطيف وأفونسو كروش وساراماجو ومنصورة عز الدين ومحمد المخزنجي وحجي جابر وجبور دويهي وستيفان زفايج. وفي الوقت الحالي هناك كتاب معاصرون يؤرخون لمشروعهم الأدبي بخطى فريدة وقيّمة، ويعملون على صقل أعمالهم باستمرار، وبصورة فنية دون التفات لمعطيات السوق التجارية أو اهتمام بالمبيعات أو اثارة الضجيج وتلك السباقات اللاهثة، وهم من أفضّل القراءة لهم وأثق بمتابعتهم أكثر، منهم ضياء جبيلي وعبد الله ناصر وأحمد الفخراني وعادل عصمت.



_الحواس كذلك حاضرة بقوة في كتابتك إلى أي مدى تتعاملي مع الكتابة ككائن حي؟


* الكتابة بالفعل إحدى الحواس المنفردة، حاسة قوية مستقلة، يتمتع بها البعض إضافة لحواس الإنسان الطبيعية. وهي أيضًا ترجمة لكل الحواس الأخرى. في أصل الأشياء وقبل أن يبدأ العالم، كان الصمت، ثم كانت الحواس، لمساعدة الكائنات على الشعور والتعبير والتواصل، وبمرور الوقت صار من الممكن للإنسان أن يتواصل أيضًا بالكتابة، وأن يشعر ويعبر ويتصل بالآخرين. وتصبح عملية الكتابة وما يقابلها من القراءة، هي الأخرى صوت يمكن سماعه، ورائحة يمكن التقاطها، وتفاصيل يلمسها العقل ويترجمها الوعي، ورؤية يمكن تخيلها وعرضها.

وهي تتيح لي كذلك أنسنة الأشياء من خلالها، لأن أنسنة الأشياء والجمادات، أو إحياء الأشياء غير الحية، هي إحدى الرؤى التي تسيطر على رؤيتي للعالم وللأشياء من حولي. لا أستطيع التواصل مع أشياء كثيرة أو تكوين فكرتي عنها دون اعتبارها حية.


 _لماذا اخترت الشاعرة والروائية الأمريكية سيلفيا بلاث لتكون مدخل وعنوان لمجموعتك القصصية الأخيرة؟


* نحن قد نكتب عما يثير انتباه مخيلتنا ويحفزها، أو عمن تجذبنا ذواتهم في الحياة، وهنا تصبح بعض التجارب مثيرة للتأمل وملهمة للمخيلة. تشغلني سيلفيا إنسانيًا بما تحمل حياتها من حالة فريدة إنسانياً وشخصية غنية، أكثر منها كشاعرة في منتجها الأدبي.. حيث قد يتعجب البعض من مفارقة تناولي لها إنسانيا وفي الكتابة، بينما أراها أدبياً شاعرة جيدة ولكن ليست استثنائية أو في قائمة مفضلاتي، لكنها إنسانة تحمل إرث شخصية ملهمة وحياة مثيرة للفضول والتقدير كذلك.

تخيل فقط مشهداً واحداً من حياتها المزدحمة بالتوترات المختلفة، مشهدها الأخير، امرأة استيقظت ذات يوم وقررت الانتحار ولكن قبل ذلك فكرت في ضرورة إعداد الحليب لأطفالها النائمين لحرصها على أن يجدوه بانتظارهم عند استيقاظهم ربما كي لا يفزعهم غيابها عن صباحهم دون أن يبدو طبيعياً.. كانت تلك امرأة تحمل روح شاعرة حقيقية.



 



11 أبريل 2022

 أكتب عن الحب، كامرأة عاشقة.. بنفس الدفء، والسكينة، والشجاعة، والمغامرة.. لكني لم أكن عاشقة طوال حياتي سوى مرة واحدة فقط. في عاطفة قديمة نائمة ولم تلمس زمناً آخر. وهذه المرة التي بنيت على ذكراها كل شيء.. كل ذاكرة.. كل خيال.. كل الهام.. كل استعارة.. وكل شعور استدعيته.. أو مشهداً تجولت فيه لأخلقه.. كما تخلق اليد بيتاً.

على مر الحياة ذاتها، قد يحب المرأة العديد من الرجال.. حباً مبتذلاً، سهل التفوه به دون عمق أو صدق، منبعه الأنانية أو الرغبة في امتلاك ما، وبالطبع صادفت المئات منهم، وبالطبع لم أصدقهم، ولم ألتفت بقلبي إنشاً. لذلك ظل صافياً في نهره الخاص. لكنني لم أكن محبوبة كما يكون الحب حقاً بشفافيته وصدقه وأشعر بها كحقيقة طيبة تحط على قلبي سوى مرة واحدة.. ولذلك كنت حينها عاشقة.

19 مارس 2022

لقد صارت أكبر تساؤلاتي طوال الوقت هي: كيف ينفصل الإنسان عن واقعه الحاضر دون موت، أو فراغ يبتلعه.. كيف يهجر حياته السابقة بكل تفاصيلها وشخوصها وذكرياتها دون ألم انسحاب.. هل بالسفر دون وجهة حتى الضياع، أو الغياب في متاهة ما.


14 نوفمبر 2021

 بعد عدد قليل من الصفحات، أتوقف عند عبارة معينة من الرواية. تعجبني للمرة الثانية أو الثالثة، هي عدد من مرات القراءات الناقصة للحداثة، لكنه اعجاباً منقوصاً هذه المرة، هشاً، مشبوهاً، وعرضة للانهيار.

انها تعجبني كشيء أعرفه جيداً رأيته سابقاً وأحببته وتعودت عليه، لكن شيئاً آخر جديداً يحاول انتحال مكانه الآن ولا يشبه ما أعرفه ولن يشبهه أبداً. بدت كمحاولاتنا الرديئة للتلاحم مع الغرباء عنا التي نعود بعدها لأصدقائنا بكل عبلهم أو رفقتنا الحقيقية.

منذ اللحظة الأولى، مع العبارة الأولى، وعلى طول خط القراءة، ظل شعوراً غامضاً بعدم الراحة يتسلل إليّ، ومع وصولي إلى العبارة المثيرة للديجافو، وضعت يدي على السبب الذي بات واضحاً أنه يتعلق بمدى رداءة وسوء مستوى الترجمة، إذ أنني تذكرت على الفور العبارة، كما يتذكر المرء حبيب سابق له في لمح البصر مهما طال الغياب والبعد وتغيرت الحال، وقلت لنفسي أن هذه العبارة كانت أجمل في وقت أسبق وفي موضع آخر. هنا حيث يشعر المرء بحنين لحبيب يشبهه وقريب من روحه وهو يحاول تجاذب حديث البدايات وقفزات شغفها أمام آخر لطيف يجذبه ربما لكنه غريب ولا يشبهه بالمرة. فيعود لتحسس موضع حبيبه الحقيقي بسير دقيق. هكذا كنت أعود لتلمس طريق ترجمتي المفضلة هرباً من سطحية تلك الترجمة.

لم يكن اسم المترجم الجيد غائباً عني، لكن لأسباب تتعلق بكسل أو قصور في البحث، وعدم جماهيرية الترجمة الجيدة نفسها، انزلقت وتورطت في تصفح الترجمة الرديئة، الأكثر حداثة، في إصدار أكاديمي. والكاتب هنا هو كافكا.

وتأتي العبارة ،بحسب المترجم الغريب، على هذا النحو: «مناسبة إلى يأس صغير»، هكذا خطر في باله، «لو كنت أقف هنا بالمصادفة وليس عمداً.» ثم (..)البقية. بينما تظهر في نص المترجم الأقرب للنص بهذه الصورة الرشيقة والجميلة: «لولا وقوفي هنا مصادفة، وليس عن عمد، لكان ذلك داعياً لشيء من اليأس. لكنك بوجودك اليائس في طريقي، على الأقل، كنت خير معين لي في خطوات يأسي.».

ما أجمل هذا التعبير عن اليأس! فحتى اليأس يمكن أن يكون جميلاً في تجريده إذا تمت ترجمته ترجمة صحيحة وبحساسية للّغة.

قبل سنوات، في القراءة الأولى للرواية، كنت قد توقفت، عند هذه العبارة بترجمتها الأجمل. ولعلي قذفت بالعبارة في مقطع على مدونتي ب"تمبلر"، كما فعلت هذه المرة أيضاً. أفكر بأنني إذا كنت قد تعرضت لهذه العبارة في القراءة الأولى بالترجمة الرديئة لم أكن لأتوقف عندها أبداً ولم تكن لتثير اعجابي، وبالتالي لم أكن لأتوقف في هذه المرة ولا في المرات السابقة عن فعل القراءة للعمل الغريب من بابه، على اعتبار، وهي محض نظرية شخصية، أن التوقف أمام العبارة المثيرة للإعجاب، كما كل الأشياء الجميلة، يترتب عليه بالضرورة، فيما يشبه المتلازمة، التوقف عندها، وعدم القدرة على تجاوزها ومواصلة الطريق. وربما هذا ما أعادني بإخلاص عاطفي لترجمتي المفضلة.

أقلب السكر في فنجان الشاي ببطء وأنا أواصل هذا التفكير من شرفة مغمورة بالشمس، بينما أكاد أخاطب الله من داخل ذهني: تصور أن كل تلك الأفكار انهمرت -سريعاً في مرورها بعكس كتابتها- على ذهني خلال قراءة ترجمة رديئة، التقطتها بعين مترجمة ثانياً، ولكن أولاً بعين إنسان مجرد وضائع في القراءة.. هذا ما تفعله ترجمة رديئة بعبارة جيدة وحساسة. فتخيل ما يفعله بنا العالم.. وهو يترجم أرواح أصيلة بترجمات رديئة يومياً، هنا وهناك. 

نحن البشر جرحى الوجود، مبتورين من سياقاتنا الصحيحة، مفقودين في الترجمة، بين الأماكن غير المناسبة والأوقات الخاطئة وحفنة من نفايات الأخطاء غير المقصودة ومحاطين بالكثير من الأشخاص الخطأ في النسخة الخاطئة من الحياة.

إلهي اجعلنا أي شيء يسهل فضّه كستار مسرح حي.. ولا تجعلنا نصوص رديئة الترجمة.


1 نوفمبر 2021

 أتصرف مع الآخرين في قلبي بتفهم وحنوّ وتغاضي ينشأ مع الوقت حتى وأنا أتألم بسببهم أو من إساءاتهم التي رشقت في قلبي حيناً ما ومرّت، يجلسني التغاضي أمامه كطفلة ويدربني على أن أدع الوخزات تتضاءل سريعاً حتى ترحل، فيبقى الحنوّ، ويكتفي الحنوّ في قلبي بأن ينظر لي نظرة أم تعرف ابنتها جيداً ولا تتحرك من مكانها. ومهما بدوت على السطح بإطلالات مختلفة عن الداخل، أتصرف داخل قلبي مع الآخرين بنفس الحنوّ، بثقة واعتداد شخص يعرف عن الحياة جيداً ويستطيع المضي على الدوام، ولديه مسودة عن خطط الوجود البديلة ونسخة من بعض اطلالات الحقيقة أو بعض كواليسها، وهاي فايف وغمزات سريعة مع الآلهة.