3 يوليو 2021

أشياء قد تقال في ذكرى وفاة إرنست هيمنجواي

 حين يطرأ في ذاكرة أحدهم أو يعبر في ذكرى ما، ربما قد يفكر أحدهم بأن إرنست هيمنجواي لم يكن بالضرورة شخصاً جيداً كفاية على صراط الجودة الإنسانية، وربما أحياناً كانت له مضاره على الآخرين وعلى ذاته لكثرة طيشه وشدة عناده وأنانيته في كثير من الأحيان وجموحه بكل الأحيان، لكنه رجل غير متلوّن لم يكن إنساناً مؤذياً بشكل متعمد أو سيئاً كذلك. ولم يكن مدعياً كما يحاول بعض المبدعين أن يخلقوا وجوهاً أخرى فوق وجههم الحقيقي. لقد كان هيمنجواي عارياً بحقيقته في كثير من الأحيان. وربما لذلك كان إنساناً حقيقياً، بشرياً بحق. له جوانبه الجميلة والعظيمة وأخطاءه وعيوبه كذلك. والرجل الذي قال بأن: "لا شيء من النبل أو الرقي في أن تكون أرفع مقاماً أو أسمى من الآخرين؛ النبل الحقيقي هو أن تكون أفضل من نفسك في الماضي." كان كثيراً ما يحاول وكثيراً ما ينحدر عن مساره رغم ذلك. 

لم يكن هيمنجواي رائعاً بالضرورة، لكنه كان صاحب حياة مثيرة للاهتمام وشخصية مثيرة للفضول وساحرة. ربما لذلك نال جانبه الإنساني الاهتمام بقدر ما نالت كتابته. وهو نادراً ما يحدث مع مبدع أن يجمع -في الحقيقة المجردة وليس الظاهر- ما يستحق في الجانبين. 

لذلك لم يكن هناك غرابة في أن يكون هيمنجواي هو الكاتب الذي أثار فضول التاريخ وتناولت السينما حياته وشخصه عن قرب بأكثر من عمل، وحل حضوره طاغياً وبارزاً ولو بمشهد واحد أو حتى بمجرد ذكره خلال الأحداث في أكثر من عمل آخر. وعبر من خلال سير الآخرين. ومنهم نساء اقتربن منه. ربما لم يكن رجلاً متعدد العلاقات طوال الوقت، ولكن كانت له علاقات عديدة. فكان مغرماً بالنساء والجمال ويملك شخصية تعرف كيف تحظى بحب امرأة، ولكنه كان مهووساً بشيئين فقط في حياته ولا ينتمي لسواهما: نفسه والكتابة.

كانت حياة إرنست قنبلة طاقة موقوتة تتأجج بحماسه لكنها قد تنفجر في وجهه لاحقاً. وظلت شخصيته عصية على الالتفات عنها. بالطبع ظل مثيراً للاهتمام تناول حياة ‏الكاتب الذي حصل على نوبل في الأدب عام ١٩٥٤ وتعرض لقذيفة بالحرب العالمية وأصيب بالملاريا والإلتهاب الرئوي وفقر الدم وسرطان الجلد ومرض السكري وترسب الأصبغة الدموية وتعرض لكسر بالجمجمة والعامود الفقري بسبب تحطم طائرته مرتين، الرجل الذي واجه كل هذا ومر منه سالماً وعندما سئل عن أكثر ما يخيفه قال: "ورقة بيضاء". وعاش حتى وصل عمره إلى ٦١ عام، ثم انتحر بسبب ‎الإكتئاب! 

وفي أيامه الأخيرة، ‏كتب إرنست 47 نهاية لرواية "وداعاً للسلاح" والتي كانت آخر رواياته لأنه كان يبحث عن اللغة الصحيحة جداً والصائبة جداً التي ترضيه عن عمله بالفعل!

‏وبعد وفاته نشرت في الطبعة الحديثة من الرواية النهايات ال 47 بأكملها، مما يجعل قارىء الرواية له حرية اختيار النهاية التي تتوافق مع ميوله ورغبته في رؤية نهاية العمل بناءاً على مشاعره أو انطباعه العام عن العمل. ما بدا شيئاً رائعاً وغريباً مقارنة بعادة هيمنجواي في السيطرة المطلقة والاقتضاب في مسار كتابته. وهو شيء أشبه بما تغير في شخص إرنست ذاته عبر السنين، من رجل يضع النهاية وحده دائماً لكل قصصه بما يوافقه هو فقط، حتى في حياته الخاصة، إلى رجل صار متصالحاً مع جوانب أخرى للنظر غير جانبه. ومقتنعاً بأن ليس له الصواب المطلق في الحياة أو حتى الكتابة.

وفي ‏مثل هذا اليوم منذ 60 عاماً، جلس "إرنست هيمنجواي" وهو يملك ما يكفي من مجد ومحققاً عظمته الأدبية، على مقعد بمنزله ووضع ماسورة بندقيته في فمه وضغط على الزناد بساقه، وفجر رأسه الثري مخلفاً كل ما أورثه لنا من حياته خلفه.

| أشياء قد تقال في ذكرى وفاة إرنست هيمنجواي - أسماء حسين - ٢٠٢١