27 مارس 2021

في نادي وجيه غالي..

 من أكثر الكتّاب الذين أصابوني بالحيرة - والحيرة هنا في أدق تعبير شعوري - ترافقاً مع الألم والتعاطف الرحب، مع نبش مفرط من حساسيته للحساسية بداخلي، كان وجيه غالي.. لم أحب القراءة له فقط، أو يرافقني الألم والهشاشة والالتحام الشعوري فيها، بل أصابتي بالحيرة تجاهه وتجاه تلك الكتابة، حيرة لا تخلو من التقدير العاطفي والفني.. انتحر وجيه في ثلاثينياته لينهي مسيرة أدبية واعدة بعد رواية واحدة (بكتابة في غاية الجمال)، تماماً مثلما فعل رجاء عليش الذي ترك رواية واحدة وانتحر، تقرأ له فتشعر بأن الموت غيّب كاتباً ليس عادياً لو أنه استمر بالحياة لكانت هناك حيوات أخرى لنا نحن داخل كتاباته فوق العادية. لكن رجلاً بكل تلك الحساسية التي لا تخفى على من يتحسس شيئاً من روحه في كتابته ليس غريباً بأن تقوده عاطفته نحو لحظات من الرغبة في رحيل أو غياب طويل حد التلاشي. لو أن وجيه لم ينتحر في ثلاثينياته ويمنح نفسه سريعاً للموت.. فقط لو أنه! 

فكرت في وجيه غالي كثيراً اليوم، تزامناً مع حصولي على نسخة من يومياته التي صدرت مؤخراً لأشرع في قراءتها، وهي الكتاب الثالث في جزئين من إرثه القصير بعد رواية واحدة في حياته ومجموعة مجمعة بعد موته.. كانت لوجيه عيوبه البشرية وله حظه من التساؤلات حوله، كما يبدو جلياً في اضطراباته وغموض حياته وعلاقاته النسائية المتعددة وانتماءاته المتضاربة وحتى موقفه الانحيازي الموتر من دولة اسرائيل والذي ألقى بالعديد من الشكوك والملام حول شخصه ومعتقداته وأفكاره. لكن بعيداً عن كل ذلك وما خلفه من حقائق غير مفهومة، كان ذلك الرجل من أكثر الكتاب الذين أحببت القراءة لهم والذي لو عاش أطول قليلاً لصارت كتاباته ربما محطة في دراسات أدبية كما يليق بها. أعتقد بأنه في قرارة نفسه كان وجيه غالي بلا شك رجل فذ الحساسية، ربما قادته عاطفته نحو حتفه بطريقة ما في لحظة ما بكل هشاشتها، لا أعلم. لكنها دفعته نحو غياب تام، عن عالم تقود فيه العواطف أصحابها من البشر نحو حتفهم كل يوم ولكن بأشكال أخرى وهم على قيد الحياة.