4 أبريل 2021

واحات الداخل

 يحزن بعض الناس لأن ربيع جابر أو عماد أبو صالح لا يحبان الظهور.. في الواقع من أكثر ما بجعل ربيع جابر وسواه جديراً بما هو عليه كإنسان، هو تعامله الحر مع معضلة الوجود والظهور. والتوازن بينهما لصالح الوجود بمعناه الحق لا الظهور بمعناه الفج. 

ومن الغريب أن أكثر من أحبهم من المبدعين وبشكل عفوي تماماً، هم ممن لا يحبون الظهور.. 

المبدع الحقيقي حر، عادي في ممارسة لا عاديته، خفيف الثوب على ما تحمل روحه، بعيد في حياته ومزاجه، وليس بحاجة لاثبات حضور تسويقي، أو ظهور ترويجي وضجيج بلا مبرر، أو محاباة من حين لآخر وتواصلات منمقة ولقاءات مرتبة، ومجاملات زائفة لرتق علاقات وهمية تحركها المصالح تحت ستار الملاطفات وال"حبحبة"، المبدع الحقيقي نقي ومترفع عن المسرحيات الهزلية التي ترتدي ثوب الجدية، وحر على فطرته وسجيته يفعل ما تمليه رغبته وليس بحاجة للالتزام بمقايضة أو اثبات شيء لأي أحد سوى نفسه، ليس بحاجة لنقد فلان ومقالة علان أو جلسة تعارف وانشاء صلة للاستفادة منها مع بلان، لأن موهبته أصدق وأنضج وأكثر ترفعاً وأكبر من كل ذلك، وروحه أكبر وأكبر.. وأبعد عن كل ذلك. 

وليتنا استطعنا نحن، حتى كبشر، فعلها بنفس الاتاحة، لولا ظروف مختلفة، واختفينا أكثر، في مساحات أبعد وأصفى عن واحات الآخرين. بصحرائها ومائها وضجيجها. ننجو بحريتنا الكاملة لا يشوبها شيء يوترها أو ينال منها أو منا على مقربة. ربما يوماً ما استطعنا الخروج تماماً على واحات لا تغني شيئاً في صعوبة صحرائهم.