17 يناير 2020

سلطات ناعمة

 ‏هل جربت أن تستيقظ ولست ملزمًا بشيء لأي شخص أو كيان على الأرض. قد تفعل شيئًا جامحًا مبهجًا مع نفسك ولا يعلم بذلك أحد، بهجتك ليست طقسًا توثيقيًا مع العالم فقط. تأكل وجبة تحبها دون أسئلة، وتدخل إلى مطعم وحدك دون رهبة أو فضول، تمشي بلا هدف طليقًا بخفة، تمرح وتركض وتغني وتتمايل دون تسجيل مرفق لتحركاتك بذاكرة، أن تفكر وتغمر رأسك في شيء دون مقاطعة. يعجبك سطر جميل من كتاب ولا تشاركه أحدًا بالضرورة لكنه قد يغير من قناعاتك وفكرك للأبد، تقف أمام بيت شعر رائع ولا تكتبه أو تهديه فقط، بل يُبقي نباتات صدرك تحت الشمس. هل جربت أن يسكن فيك خبر جميل وتبقيه داخلك ولا توثقه دون داعٍ، وأن تحتفظ بطاقتك لأشياء أكبر سيحين أجلها ربما. أن تَنفد بطارية هاتفك ولا يهمك إن ظل مغلقًا لساعات، لا يهمك أن تلقي بالعالم وراء ظهرك وتنهمك في ما تختاره بحرية. ومع من تحبهم وتختارهم بحرية. لا يزعجك إن لم يصل إليك أحد، لأنك لست مرتبطًا بشيء سوى ذاتك، لا يعنيك بالخارج سوى ما تحب ذاتك ومن تحب ذاتك، فقط، تختار ما يصل إليك وما تتصل به حين تريد، لا حين يفرض الأمر عليك أو يحاصرك. الوحدة ليست بذلك السوء. طالما هي عزلة. 

حتى عزلتك مع من تحب، وما تحب، أقوى من كل الزحام من حولكم. 

العزلة سلطة. إنها سلطتك المطلقة على العالم والأشياء والأشخاص من حولك. عزلتك هي أن تتحكم في العالم، ولا يتحكم فيك. تمنحه من وقتك ولا تمنحه حياتك. ولا يجد لك سبيلًا حين تقرر إغلاق الباب. العزلة جزء من القوة، والقوة أولها أن تعرف نقاط ضعف العالم ولا يعرف هو ثغرات الدخول إليك.