حلمت بابنتي - ابنتي التي لم أرها أبدا .. وربما لن. لكنها موجودة دائما في عقلي - حلمت ب "يافا" كانت تجري نحوي في باحة بيت واسع كبير .. بيت من بيوت روما الهادئة البسيطة .. ماذا أفعل أنا وابنتي في ايطاليا .. لم يكن شعرها أسود كالليل كشعري أو كما تصورت - انتِ أيضا حين كنتِ صغيرة لم يكن شعرك قد أسودّ كالليل كشعر كل الأطفال في البدء! كان يبدو أقرب للحمرة ربما - لكن عيناي كانتا لوزيتان منذ ولادتي - هل كانت عيناها لوزيتان كأمي ؟! لم يسعفني النظر - ضممتها عند وصولها إلي بحب.. شعرت بطاقة حب غريبة، فائضة، لم أشعر بها منذ انقطعت زيارات أمي.. آخر مرة رأيتها كانت تمسح على رأسي وشعري في المنام وأنا غافية.. بت ليلتها حزينة، استيقظت على لمستها ونظرت حولي، كدت أقسم أنها كانت هنا وليس في منامي. ابنتي لا تشبهني كثيرا في الشكل، لكنها جميلة وطيبة، شعرت في حضنها بروحها، بحنان كتوم. هذا يشبهني على نحو ما. لعلها تشبه أباها.. أشارت نحوه وهو يرتب رفا في الأعلى بينما نتحدث سويا، لم أر وجهه حتى.. شعرت بكآبة لفكرة انه أجنبيا ولم أعرف السبب.. لكنه ليس أجنبيا.. اقترب منا وقال أن علينا أن نعود الآن. لأين نعود؟! ما الذي نفعله أنا ورجل عربي مثلي وابنتي في روما بالأساس. نعود لماذا ؟! لم أنطق بالسؤال، لكن يافا أخبرتني "إمي .. " قالت لي إمي، هل كانت حلوة إلى هذا الحد حين كنت أنادي أمي بها. "إمي.. عليك أن تركضي.. سنكون بانتظارك هناك، لكن عليك أن تركضي." لماذا عليّ دائما أن أركض! .. طوال حياتي أركض حتى التعب.. أركض للأشياء ومن الأشياء، أركض للهرب وللوصول.. أركض للعودة لشيء لا أستطيع تمييزه. لم أكف يوما عن الركض..
كررتها بحنان لحوح وهي تلمس ساقي بانتماء "عليك أن تركضي الآن".. كانتا عيناها لوزيتان صافيتان. حين نظرت فيهما قبل أن أستيقظ لأواصل الركض.