لم أحب يومًا النبيذ أو البيرة أو أي مشروب يحتوي أية نسبة كحول. كما لا أحب التدخين كذلك. ليس لدواعٍ أخلاقية لست ممن أتقيد بها مظهريا، ولا لدواع صحية - ككليتي الوحيدة - أتجاهلها عمدًا أمام ما أحبه، كالقهوة والشيكولاتة. ولكن لكوني لست شغوفة بها بالمرة، لا تختلف عندي في ذلك عن المغات أو الأرز أو الفاصوليا أو المياه الغازية التي لا أحبها بالمرة.. وأنا لا أفرض شيئا لا أحبه على نفسي بالمرة.
ولا أحب أن يفرضه عليّ أحد بأي حجة كانت. أو يضعني أمام أي إلحاح يثقل على حريتي.
حاول الجميع اقناعي بلذة النبيذ ولكنني لم أستطع. فكرة شرب الكحول كانت بالماضي تصيبني أحيانا بالغثيان والملل، في رأس السنة قبل الماضية اشترى صديق لي نبيذا مخففا من الكحول كهدية ورفضته باحراج، جلس بأحد المطاعم وتناوله وحده رغم ذلك، استأت لإحباطه رغما عني، وخلال مناسبة ماضية من وقت طويل قدمت لي صديقة كأسا من الكحول الفاخر، وعندما تناولت الكأس وقربته من فمي أبعدته بسرعة لشدة حساسيتي بالرائحة، ثم قربته مجددا لأجرب أن أرتشف منه بهدوء، وكانت مناسبة تنازل كي لا يستاء أصدقائي من رفضي المستمر للأمر.. لكنه كان محتملا عن سواه مما سبق. في الحقيقة لا أحمل أي ولاء لمذاق الكحول مهما حاولت تقبله، ولا أحتاج إليه لصقل عقلي بالتغافل والمرح كسواي، فهذه موهبة ذاتية أملكها مسبقًا، وأتحكم بها بسلطة. ولكني على سبيل العناية والمحبة لأصدقائي وتقديرًا لهم، حاولت أن أبدي تقديري لذلك العمل ورشفت كوب أو أكثر وأنا أتظاهر بالاعجاب، لأجلهم. بينما أشعر بالغثيان داخلي. ذات يوم كنا نجلس كمجموعة من الأصدقاء في سهرة، جميعهم كانوا يشربون الكحول بمتعة ويثرثرون عن أشياء بعضها تافهة وبعضها مهمة، وضعت كأسي الذي لم يمس شفتاي على الطاولة وثرثرت معهم عن بعض الأشياء حتى سقطت حشرة في الكأس، وفرحت لذلك سرًا.
أحب من الأشياء بعض تفاصيلها دون الوفاء لها بالضرورة، أحب من النبيذ لونه وكؤوسه الجميلة، وأحب من البيرة ذهبها تحت الشمس. مثلما أحب من بعض الطبيخ رائحته ولا يجذبني مذاقه. وأحب من الفاصوليا لونها الذي يغفر لها ثقل دمها عندي.
ومن العالم.. بعض جماله الصادق. وما يحويه من أرواح تحمل جزءًا من قلبي.
في العالم.. لدينا أسباب مختلفة للثمالة. وأنا أثمل بالخسارات وحدها.
والفارق بيني وبين صديقي، أنه يسرف في الكحول... ويسكر حتى الجحيم، حتى يغني كالملائكة.. ويتمكن من إهمال العالم.
وأنا أسرف في الحب، وأسكر من خساراتي المهملة في الآخرين، حتى يتغير العالم.. ويغني كالملائكة لي يومًا.
وأعرف أنني أستثمر عاطفتي بالخسارة طالما لا تنمو على من حولي.. مثلما يسكر صديقي دون جدوى طالما أنه سيفيق مجددًا، ويجد العالم مصوبًا إلى وجهه، وقلبه.