30 يوليو 2019

فيليب بولمان: لكل طفل الحق في التعرض للثقافة


(ترجمة: أسماء حسين)


ينبغي أن نفهم تمامًا أنه بدون القصص والقصائد والفنون والموسيقى، أيضًا، سيتضور الأطفال جوعًا.


يحتاج الأطفال إلى الفن والقصص والشعر والموسيقى، بقدر حاجتهم إلى الحب والطعام والهواء النقي واللعب. إذا لم تعطِ الطفل طعامًا، فسيلحق به الضرر سريعًا. إذا لم تسمح للطفل بالهواء النقي واللعب، فسيصبح الضرر مرئيًا أيضًا، ولكن ليس بذات السرعة. إذا لم تعطِ الطفل حبًا، فقد لا يظهر الضرر لعدة سنوات، لكنه سيصير دائمًا.
ولكن إن كنت لا تمنح للأطفال فنًا وقصصًا وقصائدًا وموسيقى، فإن الضرر ليس من السهل رؤيته. لكنه هناك، رغم ذلك. حيث أجسادهم صحية بما فيه الكفاية. يمكنهم الركض والقفز والسباحة والأكل بنهم وإحداث الكثير من الضجيج، كما يفعل الأطفال دائمًا، ولكن يظل هناك شيئًا ما مفقودًا.

صحيح أن بعض الناس يكبرون دون تذوق الفن من أي نوع، وهم سعداء للغاية، يعيشون حياة جيدة وقيمة لديهم، أولئك الذين لا توجد كتب في منازلهم، ولا يهتمون كثيرًا بالصور، ولا يمكنهم رؤية المعنى من الموسيقى. وحسنًا، هذا جيد. وأنا أعرف أناسًا من هذا القبيل. إنهم جيران طيبون ومواطنون صالحون.
لكن هناك أشخاص آخرون، في مرحلة ما من طفولتهم أو شبابهم، أو ربما في كهولتهم، يصادفون شيئًا من نوع خاص لم يحلموا به من قبل. شيء غريب عنهم مثل الجانب المظلم من القمر. يحدث في أحد الأيام وهم يسمعون صوتًا عبر الراديو، يقرأون قصيدة، أو يمرون بجوار منزل به نافذة مفتوحة حيث يلعب شخص ما البيانو، أو يرون لوحة معينة على جدار شخص ما، ويضربهم ذلك الشيء ضربة قوية للغاية، ولطيفة للغاية، حتى أنها تشعرهم بالدوار. لا شيء أعدهم لتلك اللحظة. لقد أدركوا فجأة أنهم مفعمون بالجوع، برغم أنه لم تكن لديهم أية فكرة عن ذلك منذ دقيقة واحدة فقط؛ جوع لشيء جميل وعذب لدرجة أنه يكسر قلوبهم.
حتى أنهم يبكون تقريبًا، يشعرون بالحزن والسعادة والوحدة والألفة في آن واحد من خلال تلك التجربة الجديدة، والغريبة تمامًا، ثم يستميتون لاحقًا للاستماع عن قرب للراديو، ويبقون طويلًا خارج النافذة، ولا يمكنهم إبعاد أعينهم مجددًا عن اللوحة. لقد أرادوا ذلك، لقد احتاجوا إلى ذلك مثل شخص يتضور جوعًا ويحتاج إلى الغذاء، ولم يعرفوا مطلقًا من قبل. لم تكن لديهم أدنى فكرة.

هذا هو الحال نفسه، بالنسبة للطفل الذي بحاجة إلى أن تأتي الموسيقى، أو الفن أو الشعر، في طريقه بالصدفة. إن لم يحصل الأطفال على تلك الفرصة، فلربما لا يتسنى لهم مطلقا أن يقابلوها، وربما قضوا حياتهم بأكملها في حالة أشبه لمجاعة ثقافية دون معرفة ذلك.

آثار الجوع الثقافي ليست ملفتة أو سريعة. إنها ليست مرئية بتلك السهولة.

وكما قلت، فإن بعض الناس، أناس طيبون، وأصدقاء ودودون ومواطنون صالحون، قد لا يختبرونها أبدًا؛ ويمكنهم التحقق بعالمهم تمامًا بدونها. إذا اختفت كافة الكتب والألحان وكافة اللوحات من العالم بين عشية وضحاها، فلن يشعروا بأي سوء؛ حتى أنهم لن يلاحظوا ذلك.
لكن هذا الجوع موجود كالجذور في العديد من الأطفال، وغالبًا ما يصبحوا أشخاصًا غير مكتفين أبدًا، لأنهم لم يستيقظوا أبدًا. يتضور الكثير من الأطفال في كافة أنحاء العالم جوعًا لشيء يغذي ويملأ أرواحهم بطريقة لم يستطع أي شيء في أي وقت مضى أن يفعلها.

ما أود قوله، أنه صحيح، أن لكل طفل الحق في الغذاء والمأوى، والتعليم، والعلاج الطبي، وهلم جرا. ولكن ينبغي أن نفهم أن لكل طفل كذلك الحق في تجربة التعرض للثقافة. ينبغي أن نفهم تمامًا أنه بدون القصص والقصائد والفنون والموسيقى، أيضًا، سيتضور الأطفال جوعًا.


* كتبها فيليب بولمان، في الاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة لجائزة "أستريد ليندجرين" التذكارية في عام 2012. والتي حصل عليها سابقًا في عام 2005.


منشور في:
تكوين