20 ديسمبر 2016

أكره الذباب.. وأكره الأسئلة.




أكره الأسئلة. أكرهها تماما. خاصة تلك الشخصية ثم البيانية منها. طالما هي لا تعني الآخرين بشيء. فضول الغرباء يقصيهم عني ويضع بيننا أميالا لا قربًا. وتموت أي رغبة مني في توطيد المعرفة ب"أنف" أخرى لا روح لها. المعلومة الأهم التي يجب أن تعرفها عني.. هي أن أي معلومة أرى أنها لا تقدم ولا تؤخر في علاقتي بأحد أو تخصه او تطاله بشيء، لن أجيبها ما لم أسمح بنفسي. هكذا ببساطة وحرية. حتى لو كانت طول قامتي. هل سيؤثر وزن جسدي على علاقتنا بشيء ؟ إذا هو لا يخصك. ما لم أذكره بنفسي. لا أخجل من إحراج الفضول، لأن الفضول لا يخجل من فرض نفسه.
أكره الأسئلة. خاصة تلك الشبيهة بإنترفيو عمل أو جلسات التزاوج أو أوراق الشهر العقاري. من يعرفني أنا عليه أن يعرف روحي وأعرف روحه، وإلا فلا روح له. يعرف ملامح شخصيتي، إنسانيتي، أفكاري، طباعي، يقرأ لغة عقلي. بماذا أؤمن، كيف أتعامل، ماذا أضيف له وكيف أشعر به. أن أرى من إنسانيته وشخصه ما يجعلني أستمر في هذه المعرفة. ويفعل المثل.
هل يفتقد أحدهم مقاس حذائي حين أغيب عنه؟ أو يحزن على قبعتي الممددة في قبر؟ أو ينال الرعاية والاهتمام من رقم بطاقتي! هل سيحبه عنوان بيتي إن لم أحبه أنا.. وهل سيصنع له سجل هاتفي ذات الصنيع الذي قدمته أنا دون مقابل واستقبلت النكران من سوء صنيعه بروح رياضية؟! هل سيتألم رصيدي او مرتبي بدلا عني حين يجرحني أو يؤذ قلبي أحدهم؟.. لا؟ حسنا فهو يحظى بي أنا إذن.. تلك هي المادة الوحيدة المتاحة. أو يلتقي ببياناتي على انفراد في أحد المقاهي بمعزل عن رأسي أنا.
أكره الأسئلة. ولا أطرحها مطلقًا. اختر واحدًا ممن تجاوزت صداقتي بهم العشرة أعوام، هل طرحت يوما عليه سؤالا بيانيًا خلال معرفتنا الحميمة ؟!
ثلاثة أرباع أصدقائي المقربين حتى الآن، لا أعرف شيئا عن أوزانهم ومحل سكنهم وأنواع أعمالهم ومقاسات جواربهم وعلاقاتهم الاجتماعية الأخرى وأدوية الجلدية وحشو أسنانهم. رغم أسرارهم الحساسة التي قد يدفنونها بداخلي. عرفت الشخص وحده ببساطة وتعرفت على ذاته التي تعنيني بالأخص. ولن تصنع بياناته فارقا في العلاقة يذكر.
أكره الأسئلة. وأنفر ممن يطرحها بفضول مفرط أو متعاقب ومتبجح كما لو أنني في مقابلة إحصائية معه. أو مادة قياس تحت مسطرة فضوله. دون حتى أن يستأذن لمواصلة الأمر أو أسمح له بذلك.
أكره الأسئلة. وهذه هي المعلومة الوحيدة التي يجب أن تعرفها عني قبل أن تعرف ذاتي المجردة.. وبعد أن تعرفني أنا كما يجب.. أنا إنسانة جيدة القلب والروح، لكنها حادة الخصوصية طالما لم تفضي بإرادتها وبنفسها عن المعلومة كذلك. وما أعلنه على المشاع قد يكون شيئا لا يقدم ولا يؤخر معي لتعتقد منه أنك مؤهل لتعرف أكثر.
أكره الأسئلة. وأكره أن يعرف الغرباء عني أكثر مما يجب أو أسمح به. دون معرفتي لهم أو معرفتهم لي حتى. وأكره أن أفعل ما لا أريد لذلك أحرج الفضول ببساطة لأن الفضول بلطجي إنسانية متبجح طليق. وحتى القطة اللطيفة الناعمة التي تحمل الحب غير المشروط عادة، ستخربش يد الفضول بسهولة وعفوية حينها. لأنها تتعدى على حريتها وتضايقها.
ولن يرغب أحد أن تخربشه القطط حتى الوديعة منها صدقني.
هناك معلومة واحدة فقط طيبة ومسالمة عن العالم كافية لتغني كل الفضول الفقير..:
‏يمكنك المرور بجانب شؤون الآخرين- المقربين والغرباء- وبجانب حرياتهم الشخصية دون أن تكون مضطرًا للعب دور الذبابة التي تسقط داخل الكوب.
رجاءا لا تكن ذبابة.
أكره الذباب.. وأكره الأسئلة.