12 أكتوبر 2016

هكذا تأتي الخيبة الأولى.


لا أتذكر الفترينات، ولا أنا هنا من أجل الحديث عنها، فهناك مسائل أكثر جدية تشغلني في هذه اللحظة .
بجانب أحد أبواب مخازن جرنديللا كان هناك رجل يبيع البالونات، وربما لأنني طلبت منه ( وهو الأمر الذي ارتاب فيه كثيرا، لأن من ينتظر أن يعطوه يتجرأ ويطلب ) أو ربما لاني أمي أردات وهو شيء غير مألوف أن تجعلني اجتماعيا، صارت واحدة من هذه البالونات في يدي، لا أتذكر أكانت خضراء أم حمراء، صفراء أم زرقاء أو كانت بيضاء بكل بساطة، فما حدث بعد ذلك مسح من ذاكرتي اللون المفترض أن يظل ملتصقا بعيني للأبد، حيث إنها كانت أول بالونة امتلكها في عمري كله البالغ ستة أو سبعة أعوام .
كنا في طريقنا إلى الروسيو، عائدين إلى البيت، كنت فخورا كما لو كنت أسوق العالم بأسره وأربطه بخيط وأطيره في الهواء، ثم سمعت فجأة شخصا يضحك من ورائي نظرت ورأيت. كانت البالونة قد انفشت وكنت أجرها على الأرض دون أن أنتبه وقد أصبحت شيئا قذرا، منكمشا، لا شكل له.
وكان الرجلان القادمان ورائي يشيران إليّ بسبابتهما، أما أنا فقد كنت هذه المرة نموذجا للارجواز البشري. لم أستطع حتى البكاء، أطلقت الخيط، أمسكت بذراع أمي كما لو كانت طوق النجاة وواصلت سيري.
 هذا الشيء القذر، المنكمش، عديم الشكل، كان في الحقيقة الحياة الدنيا.
 
 
                                                                       جوزيه ساراماغو- مذكرات
ترجمة أحمد عبد اللطيف.