برجمان صرح على أعتاب كهولته بأن كل ما قدمه من فن فى حياته قدمه بدافع الخوف .. انه لم يتوقف عن الخوف يومًا؛ الخوف من الموت .. من الجانب الآخر المظلم .. من الغير معروف، كل ما قام به انه ترجم خوفه الى رؤى فنية صنعت اسطورة.
عندما كتب درويش .. الرجل الأعلى رصيدًا فى خوض التجربة الشعرية الكاملة .. جملته الأكثر اكليشيهية هذه الأيام "سأصير يومًا ما أريد" كان على أعتاب الستين تاركًا خلفه أكثر من عشرين ديوان شعرى ولا زال يرى أنه لم يصل بعد الى ما يريد.
ثلاثة أرباع العظماء اللذين تركوا لنا رصيدًا يكفينا مدى الحياة تعطل قلبهم عن العمل وهم فى سعى مستمر لاثبات هويتهم، مؤمنين بأنهم لم يحققوا الا القليل ولم يصلوا الى ما أرادوه بعد.
أما نحن وفى هذا العصر تحديدًا فما علينا القيام بالكثير لنصل لأضعاف ما انفقوا عمرهم وصولا اليه ..
خذ عندك مثلا ما يكلفه الحصول على لقب "ناشط سياسى" او "نجم فيسبوكى" او "اله افتراضى" انه ليس بالأمر الجلل اطلاقًا. فكل ما يلزمك فعله هو عنوان بريدى وكلمة سر لفتح حساب ثم كتابة بعض العبارات البراقة فيه، مصحوبة بعوامل مرئية مناسبة وطبعا لا يخلو الأمر من بضعة صور شخصية بمختلف الأوضاع فى الهواء الطلق او بابتسامة فاتنة او وضع درامى بطولى ثم بضعة "فرقعات" كليشيهية متراصة لامعة لاثارة ضجة مناسبة حولك.
تصبح تجسيدًا واضحًا لنوعية الأشخاص اللذين يذكروننى بعبارة جدو رفعت اسماعيل الرصينة المدهشة ، التى "تجيب من الآخر" كعادته :
- "كان شهير بأنه شهير" .. وفى هذا يتلخص كل دورك العظيم فى الحياة !
لست شهيرًا بأنك قدمت شيئًا ذا أثر يذكر، أو أضفت شيئًا ما للعالم .. انت فقط شهير بوجودك "أونلاين" و"أكتيف" معظم الوقت لجمع حصاد "اللايكات" الأسطوري لبضعة سوكسيهات !
وهكذا .. حلال عليك الجمهور العريض من المعجبين والمصفقين والمتابعين وقيادة القطيع الذى اكتشفك ووجدك للأبد دون أن تنفق انت عمرك بحثًا عن ذاتك فى عناء بالغ كالآخرين !