22 سبتمبر 2020

الحب كدة.

 ‏حين إندهش نابوكوف من طريقة الحنوّ التي تفعلها ڤيرا معه ولأجله، كتب لها: "لستُ معتادًا على أن يفهمني أحد مثلما تفعلين" وهذه هي شرارة الحب الحقيقي في الحياة، أن يلمسنا أحدهم من الداخل قبل أي شيء، وبشكل مختلف عن أي شيء آخر عرفناه. فيستطيع شرحنا حتى لأنفسنا حين لا تسعفنا نحن الكلمات، إننّا نطمئن حينما نشعر أننا آمنين في استيعاب الآخر. حين نكون مفهومين وآمنين ونحن عراة تماما أمام أحدهم. 

حين يصبح أحدهم غرفتنا المغلقة، التي نعرف عن ثقة حتى وان غادرناها على أي نحو، أنها لن تفشي أماننا خارجها أبدا. وان فعلت او هددت فهي لم تكن يوما. البيوت لا تحكي ذاكرة عري أهلها معها.

لقد كتب نابوكوف: "لقد اندهشت من قدرتك على الحنو ومنح الحب، لم تضمد أفكاري امرأة بهذا الحنان من قبل. لم يمنحني أحد الحب بهذه الكثافة ويغمرني بتفهم." لذلك ينمو الحب بين طرفين كما ينمو البشر في أعمارهم، حين تعرف ما يمكنه أن يمنحك بقربه وما ينمو فيك معه ولو للحظات.. لا تكبر العلاقات وحدها بالحب، بل تكبر أرواحنا وتتقلم وتنضج وتنفض غبارها القديم وتخرج أوراقا جديدة كما تفعل شجرة في مواسم عمرها المناسبة. 

الحب، في حقيقته وليست أوهامه، له القدرة على أن يلمسنا ويقلمنا برقة ويغيرنا للأفضل لنا، لأن أرواحنا تنمو فيه. كما يفعل حب الأم لأطفالها كل يوم وهي تبني عظامهم برفق. الأمان والرقة، شيئان لن يمنحهما لك سوى الحب.

وإذا لم يفعل الحب ذلك ولو للحظة، لما اطمأن نابوكوف حين وضع رأسه بين يدي ڤيرا. وما تركك الإله تكمل جملة واحدة تلعنه فيها وانت تقف على قدمين، وما تحملت الأم كل تلك الصرخات في الدماء، وما استغنيت عن العالم كأنما هو في خلفيتك بإنسان واحد في لحظات وجودك معه.