"اقتلعته من جذوره، كان شجرتي المفضلة، لكنها تتعفن، وتهدد أساس بيتي."
علقت تلك الجملة بي منذ ترجمتها من قصيدة لشاعرتي الغربية المفضلة وارسان شاير لأول مرة.. بتر إنسان مفضل من قلبك ومن عالمك ليس بالحدث الهين أبدا، لطالما اختبرت معنى ذلك.. وطالما ارتجفت أمام الخاطرة في كل مرة كنت اتعرض لها ولو دون تحققها. وتخيل لو أنك اضطررت لبتر أكثر أشخاصك المفضلين وأحبهم لقلبك على الاطلاق. بل حتى لا يتحين ان نشرح للناس ان هذا يختلف عن أنين علاقات البشر العاطفية على نحو تام، خاصة العابرة منها بأي حال، فالعلاقات العاطفية في معظمها-وليس جميعها طبعا، علاقات اكتسابية وتراكمية غير جذرية، ولكن العلاقات (المفضلة) الحميمة بحق هي علاقات جذرية تضرب جذورها في الروح، سواء الانسانية او العاطفية منها ان وجد محظوظون بها. ولكننا احيانا نخسر او نضطر للبتر. وربما عولجت الخسارة مجددا وعادت من فقدها او التحم البتر لاحقا والتئم في مكانه ليشفى، وربما لا. هذا لا يغير من حقيقة اضطرارنا لفعل الأمر أحيانا.
حتى أنني مؤخرا من ذلك العام خسرت معنى كامن في شخص مفضل، بترت شخصي المفضل على الاطلاق، ليس حبيبا عابرا او صديقا مستبدلا، بل شخصي المفضل منذ ولدت، في عمري ودمي.. ليس منذ شهور او سنوات، بل منذ تفتحت عيني على الحياة.. ولو لم اتحدث عن الامر مع شخصان على الاكثر، لبدا الامر سرابا كأن لم يحدث او كأن لا وقع له علي، فلم يصدر عن قلبي صوتا (تقول نيكيتا جيل: كم من الغريب ان القلوب لا تصدر صوتا عند انكسارها أحيانا) ولم يعرف احد على الاطلاق حتى هذه اللحظة. ربما في مرحلة ماضية كنت لانهار واتفتت واعتبر الامر ككارثة - كما هو بالفعل.. لكن بعد كل تلك السنوات والتجارب والندوب والالام الصامتة هذا ما تكسبه لك الحياة بالضرورة والا فلم تكسبك شيئا، تكسبك الصلابة والكتمان والهدوء في مواجهة الأمر. خيره وشره. وتحيد حتى الكارثة. فلا تقفز لأفراح كنت ترجف لها سابقا ولا تنهار أمام خيبات كانت من قبل لتشق روحك نصفين. الآن تحمل الخيبة وسط ملابسك كقطعة تخرجها للهواء في حجرتك وتتطلع اليها احيانا ثم تطويها وتدفنها مجددا. دموعك وصدمتك وخوفك وارتعاشاتك والخيبة والألم والندم وعدم تصديق الأمر، لن يراها أحد سواك مجددا.. ستتقاسمها مع فراشك فقط، وسيكون سركم الصغير.
لعل هذا الشيء الوحيد الذي تهديه لك الحياة طرديا مع الألم، الصلابة.
لترى.. هناك جمال بدوره، أحيانا، في أن تنكسر القلوب، ولا تصدر صوتا عند انكسارها.