18 سبتمبر 2020

(الكتابة كوسيلة لتدوير الألم وليس علاجه)

 (الكتابة كوسيلة لتدوير الألم وليس علاجه)

أسماء حسين عن "العودة من سيلفيا بلاث"

حوار: أسماء سعد - مجلة إبداع 

__

تفيض نصوص "العودة من سيلفيا بلاث" بالعاطفة المرهفة، لتعكس مشاعر وجدانية عميقة لدى الكاتبة أسماء حسين، التي نجحت في تحقيق مزيج رائع من ضربات الفرشاة وخطوط الأقلام، لتشكل بهما قوام مجموعتها القصصية، حيث أغنت السرد في بناء النص الخاص بها، بما تملكه من قدرة على التعبير نثرا وشعرا.

"كنـت أفكـر في سـيلفيا بلاث، طوال يوم انفصالنا، بعد أن وقعت أوراق الطلاق كشـاعر يوقـع وداع ديوانه الأخير بحزن دخيل. فكرت في موتها، قصيدتها الأخيرة، حيث كانت هناك اكثر من طريقة لائقة للغرق في الموت، لكنها فضلت الموت وهي تختنق، لانها اختبرت شعورها بذلك دائما وهي على قيد الحياة".

لا يمضي كثير من الوقت حتى تنتقلُ بنا الروائية والمترجمة الشابة أسماء حسين، إلى ذروة الاستمتاع الفني بنصوص قصصها القصيرة، التي تكشف عمقها ومعناها عن طريق الأساليب والتقنيات التي تتألفُ منها، فلا تملك إلا أن تتعامل مع منجزها إلا اعتبار أنه قيمة جمالية معبرة عن تجربة وهموم إنسانية، كان مفتاحها الأساسي خيال خصب ساعد على التشويقِ والإنسيابية.

في مقابلة مع أسماء حسين، وبسؤالها عما تمثله بالنسبة إليها "سيلفيا بلاث" للدرجة التي وصلت إلى اشتقاق عنوان أحدث مؤلفاتها من إسم الشاعرة والروائية الأمريكية، ففسرت ذلك بأن بلاث شغلتها على المستوى الإنساني إلى أقصى حد، وأنها رأت فيها نموذجا جدير بالإنجذاب تماما كمن تنجذب لحالهم وذواتهم في الحياة، كشخصية غنية بحد ذاتها، وتفصيلات حياتها وثنايا شخصيتها كانت مثيرة للتأمل.

وذلك قبل أن تضيف أنها تنشغل ببلاث إنسانيا أكثر منه مهنيا، فالزخم الإنساني حولها أكبر من المنجز الإبداعي نفسه، تماما – كما في تقييمها لفريدا كاهلو والتي كانت رسامة موهوبة بالفعل ولكن هناك من هن أكثر موهبة وجدارة منها بانحياز التاريخ، ولكن التفاصيل الحياتية المثيرة وذائعة الصيت، هي سبب شهرة كاهلو رغم أنها ليست من الأكثر موهبة.

وتتابع أن سيلفيا في رأيها شاعرة ليست استثنائية بقدر ما تمكنت من أن تصبح "إنسانة غنية الأثر"، تملك في جعبتها تجربة مثيرة للفضول والتقدير، حتى وإن بدا ذلك غريبا على وقع من يسارعون إلى الظن بأن الشاعرة الأمريكية، هي أحد أيقونات أسماء المفضلة بسبب غزارة التطرق إليها إنسانيًا عند الكتابة.

ما يحسبُ لصاحبة " فسحة بويكا" هو بلوغ معدل متزايد من "الدهشة" مع المضي في الإطار القصصي وبنية السرد في العودة من سيلفيا بلاث، وتجيب عن ذلك بتأكيدها على أن أكثر مايشغلها خلال صناعة فضاء النص الخاص بها، ومايتخلله من توظيف للشخصيات والتدرج في حركة السرد، أن يكون "التشويق والدهشة" هو نواة العمل.

وتضيف: عندما تكون الدهشة هي محرك الكاتب نفسه، فإنها تبقى معه للنهاية، يكتب القصة بمتعة الكاتب والقاريء معًا، لذا، أحاول كتابتها بأسلوبي ككاتبة وكما أتمناها كقارئة، وأنه من البداية للنهاية فإن الحكاية تنشأ مما خلقته وأعيش معه أو داخله لبعض الوقت داخل خيالي، مما يسمح بأن يخرج بنفس لمسة السحر التي قد تثير الدهشة لسواي ممن يقرأ.

"سيقال بأنه شبح المرأة التى كانت فى حياة أخرى أما لطفل وحيد، تغمرها أمومتها، لكنها عادت لتقبض أرواح الناس عقابا وانتقاما لروح طفلها. سيقال بأنه وحش أسطورى سكن الأرض لسنوات وبث الرعب فى أنحائها حتى جاء الإنسان، وتغلب عليه وقهره، هكذا أحنقته فكرة تغلب الإنسان على فنونه للافتراس وإلقاء الفزع فى الكون"

يؤكد مضمون هذا العمل أن أسماء حسين لديها ثيمات معينة ومحددة كـ"الموت والوحدة والأمومة"، تكون جاهزة على الدوام لتحويلها إلى موضوع قصصي، وتوضح ذلك بأن مايجعل ذلك ضروري بالنسبة إليها هو أن "الأمومة أو الموت والوحدة"، يأتون في الصدارة من أسئلة وقضايا الحياة التي تشغلها، وتكون مفتوحة بالنسبة إليها على الدوام.

وأن الاستعانة أكثر من مرة بوجوه معينة لشخصيات فنية وأدبية في شريط السرد، مرده إلى أنها –وإن لم تتعمد ذلك- تسارع مخيلتها إلى استدعاء شخوصًا أو أعمالًا وظلالًا من آثارهم كما يحدث مع فان جوخ، وأن للأمر علاقة بحالة تشابك الأفكار والخبرات بداخلها، لولعها إلى جانب القصص والروايات، بالفنون واللوحات والرسم.

وتواصل: في بعض الأحيان أحب الإشارة لبعض الكتاب في بعض المواضع، أو أستعين أحيانًا ببعض المقتبسات التي تعني لفكرتي أو تتداخل مع حالة النص، وفي مجموعتي القصصية الثالثة أيضًا أعتمد على مداخل شعرية وتقاطعات أدبية، مع مداخلي وتقاطعاتي الخاصة، كما أحضرت بعض الكتاب بشخوصهم إلى أحداث بعض القصص، لكن كما ذكرت، يحدث الأمر بانسيابية شديدة ولا أقحمهم عمدا.

وعطفاً من جانبنا على كل ما ورد سلفاً، فقد نقلنا إلى أسماء حسين أنه يتلاحظ خلال المضي قدما في المجموعة القصصية، أن كلا من الرسم والألوان قد شكلا جزءا أساسيا من النصوص، وأن تلك المجموعة القصصية منفتحة على أشكال وأجناس فنية أخرى، لتجيب: ربما يعود الأمر بشكل كبير إلى كوني فنانة تشكيلية أيضًا ومحبة للفن، فالفن جزء من ممارساتي واهتماماتي ومن هواجسي ومن شخصيتي، والكاتب من آن لآخر - حتى في الخلق من الخيال - يضع جزءًا من روحه في أعماله.

وتستكمل: كذلك، الرسم كان هوايتى الدائمة، أما الكتابة فلم تكن أبدًا هواية لدىّ، لقد كانت دائمًا رد فعل للحياة، أسلوب حياة وضرورة تلقائية، نوع من المعايشة والتحايل الذي طورته روحي. وهكذا، أكتب طوال الوقت لأننى أحيا طوال الوقت.. وليس العكس.

وبخصوص اللمسة شعرية في كتاباتها، ترى أن الشعر هو أقوى لغة نملكها، حتى في كتابة النثر كثيرًا ما أمنح صوتي للشعر، أو يتبادلان الأدوار في لعبةِ مرايا، فالشعرية في السرد لا تبخل بجمالياتها واستعاراتها أو يحتمل أن تشوش جدية اللغة، بل تضيف للغة النص بتناغم مع وحدة السرد.

وتسترسل: كما أني شاعرة أيضًا في نهاية الأمر، والشعر في حقيقته ليس لونًا أدبيًا إنما هو نظرة للعالم. فستعم كل شيء. وفي العودة من سيلفيا بلاث تحديدًا اعتمدت على تجربة سرد النثر بزاوية خيالية شعرية، وهو ما قدمت له استشهادًا برؤية شارل بودلير التي تماثلها رؤيتي.

ومع إعمال القراءة في الأعمال الإبداعية السابقة للكاتبة الشابة ومقارنتها بأحدث أعمالها، يصير لزاما السؤال عن فروقات واضحة من عدمه، لتجيب: مشروعي الأخير حتى اللحظة هو العمل الأقرب لقلبي، والتجربة التي كنت أتوق لاكتمالها.

وتحكي أنها غمرت الأعمال السابقة بقدر كبير من الواقعية، وإن لم تخل من لمسة خيال، لكن في آخر تجاربها، أسست لانطلاق الخيال بشكل جامح، وجعلت منه عنصرا رئيسيا، وأنها حرصت على ما وصفته بـ" كتابة شغفها الذاتي، ذوقها وما تحبه".

ونحنُ نتحدثُ عن أولوية الخيال، ومزج النصوص والأفكار بالمشاهد الغريبة، نقلنا إلى "حسين" الحيرة التي تسود عن الفارق بين الفانتازيا والواقعية السحرية، لتفسر بأن الخلط والارتباك عند طرح ذلك، يعود إلى ازدحام التأويلات المتناثرة في كل مكان بخصوص تلك التصنيفات

وتضيف: الكثير منا يرتاب في الفارق لغياب الدقة على المستوى المفاهيمي، وانتشار المصطلحات الفضفاضة، مع الأخذ في الاعتبار أن الفارق أيضا بسيط بين الغرائبية والعجائبية، فالغرائبية هي الأمور الغريبة في السرد لكنها قابلة للحدوث، أما العجائبية فهي الأمور الغريبة في سرد النص لكنها غير قابلة للحدوث، كأن أقول لك أن النسور كانت تلتقط اللحم في قصة السندباد، ويلتصق به الماس فهذا شيء غريب، وهي مهنة لم نسمع بها من قبل فقط، لكن العجائبية أن يأتي طائر الفينيق لينقذ السندباد من وادي الأفاعي.

وتستطرد: الواقعية السحرية هي المخيلة العجائبية التي تظهر في بيئة واقعية، أو الجمع بين الواقع والفانتازيا، من خلال بناء الأمور الغريبة في سرد النص لكنها غير قابلة للحدوث.

أو بتعبير آخر تمزج بين الواقع الحقيقي والخيال السحري، مزجًا يجعل الخيال شيئًا اعتياديًّا، ونمطًا طبيعيًّا للحياة التي تعيشها شخصيات القصة، ولا تحاول تبرير ما هو سحري في الوقائع أو الأحداث، فكأنما عجائبيته جزء من عاديته، وهذا ما يجعل الواقعية السحرية أقرب انحيازًا للعالم الموجود من الفانتازيا في مطلقها، والتي تعمد إلى خلق عالم منفصل بأكمله لا صلة له بالواقع وله قواعده الخاصة به ولا يسودها سوى الخيال غالبًا.

 وعلى هذا النحو قد لا تنفصل العجائبية كثيرًا عن الفانتازيا ظاهريًا رغم اختلافها عنها، لكنها أحيانًا قد تصبح جزءًا منها كجزء من كل واسع. فمثلا كتابات ماركيز وبورخيس هي واقعية سحرية، بينما كتابة جورج مارتن هي فانتازيا، هي عالم بأكمله وتاريخه وكائناته خارج على الواقع والحقيقة. بينما الواقعية السحرية هي تحطيم للحدود التي تفصل بين ما يبدو حقيقة، وما يبدو فانتازيا، بحسب جارسيا ماركيز.

طرحنا عليها سؤالا عن أسباب التفوق كما وكيفا، في الإنتاج الغربي، لاسيما اللاتيني على الإبداع والخيال العربي، تجيب بأن: العالم الغربي واللاتيني وفئة نوعية من العالم العربي أيضًا تسبقنا وتتفوق بمراحل ثقافيًا وأدبيًا، وذلك بسبب ذكاء إدارة الموهبة، وارتفاع الوعي الثقافي للمجتمع لديهم مما ينتج عنه ارتفاع وعي الذائقة أيضًا، فمثلًا، الموهبة تشبه الكهرباء، نحن لا نفهم الكهرباء تمامًا، نحن نسخرها ونطورها.

وتشرح: نحن نفتقد هنا ذكاء تسخير الموهبة أو التعامل معها أو تطويرها، من كل الأطراف سواء المبدع أو المتلقي أو الجهات المختصة، فتمر المواهب مرور الكرام لعدم الالتفات والعناية بها أو تقتل نفسها بنفسها لسوء إدارتها. وكذلك نفتقر لانتشار القدر اللازم من الوعي ورعاية الذائقة لدى المجتمع والمحيط المتلقي. كل ذلك من شأنه أن يعطل من وصول الأدب لأي مكانة مرجوة.

ومع زيادة توهج نصوص "العودة من سيلفيا بلاث"، كان لنا سؤالا عن الطقوس التي أحاطت بعملية الكتابة، والوقت الذي استغرقته في عملية التأليف، أجابت بأنه في العموم، ليس لديها طقوس معينة في الكتابة، وإن كان "الاستغراق" هو سيد الموقف حينها والشعار الوحيد الذي ترفعه أثناء تأسيس عمل جديد.

وتتذكر: إلا أن الكوميدي بعض الشئ، والملحوظ بشدة خلال كتابة نصوص آخر أعمالي، هو تضخم رغبة غير مسبوقة في تناول "الشيكولاتة البيضاء" بغرابة طول الوقت، هذا هو الطقس العجيب الوحيد الذي أتذكره.

وبخصوص الوقت الذي استغرقته في كتابة عملها الأخير والطقوس التي أحاطت عملية الكتابة، تجيب بأنها مهدت لأفكار العمل مسبقًا في مسودات خاصة، وأن أفكاره كانت تشغلها وتلح عليها إلى حد بعيد، وبينما كان بعضها مكتوبا مسبقًا على فترات متفاوتة، جرى إعادة كتابتها في شكلها القصصي خلال عام 2018 ما بين يونيو وأكتوبر، أي في غضون حوالي أربعة أشهر.

لاحظنا أن العناوين الافتتاحية للقصص مختارة بعناية شديدة، وقد أجابت عن ذلك بأن ذلك وقع "مع سبق الإصرار والترصد"، قائلة: أعتبر تلك العناوين نوع أدبي بذاته، ففي العناوين خصيصًا يمكن للجملة أن تصبح تحفة فنية، العنوان جزء من شعرية وشخصية النص، وعلى العنوان أيضًا أن يختزل روح نصه دون أن يشف عنه، وقد تكون الجملة الواحدة الأخاذة سبباً كافياً لاختراع أشخاص وأشياء وعوالم جديدة، وعنوانًا لها، وقد تصبح بابًا لنص بأكمله.

وحول مايعتقده الكثيرون بأنه على الدوام هناك ظل في أرض الواقع للشخصيات التي يستعين بها الكاتب في أعماله، ردت: عندما أكتب أخرج عن قوانين العالم ولكن أجلبه إلى مساحتي من مخزون الذاكرة، وأتأثر به فقط دون أن التقط منه شيئًا بعينه.

وتعتقد بأنه ليس دوما بمقدور الكاتب أن يستدعي في نصَوصه ملامح من حياته الواقعية بشكل مباشر، فالكاتب قد يمنح نصوصه شيئًا من روحه، ولكن ليس من واقعه، فى الحقيقة ثمة خيط رهيف يفصل بين الإنسان وما يكتب، أستطيع أن أروى قصصًا لا حصر لها لا تمت لى بصلة، ولكن من خلال ذاتى، حينها سأكون أنا الروح التى تكتب القصة.

وتسترسل: أنا العين التى ترى التفاصيل على طريقتها، وليس كما يراها الآخرون، قد أكون أنا العاطفة التى حلت فى مجرد حكاية متناقلة أو مختلقة، كما أنني أمثل الأفكار التى غذت النص وانطلقت عبره، ولكننى لست أبدًا واقع ما كتبته، نحن روح كتاباتنا، ولسنا الحدث بالضرورة، فكلماتنا لن تصور حياتنا دومًا، خاصة في السرد البعيد عن الخاطرة الذاتية، انما بإمكانها أن تشف عن أرواحنا!

برغم ذلك فإن الكاتب ذاته - وكأي إنسان في عرضة للتغيير والاختلاف - قد يتغير وتتغير معالم ذاته وعالمه، فتتغير معها أفكاره، وكذلك أسئلته الكبرى، في الحياة أو الكتابة، ربما للسبب ذاته لم ولن يكن لدى أجوبة جاهزة ثابتة عن أي شيء في الحياة، لذا يجب أن تعتبر كل جملة أتفوه بها لا على أنها توكيد لحقيقة ثابتة، بل اعتقاد قابل للشك وخاضع للتجربة وأحيانا تساؤل مفتوح، أظن اليقين في الكون نوع من أنواع الوقاحة، والشك عنصر إنساني للحياة وبالتالي للكتابة.

"سيقال إن الموت بدأ وحيدا، يكاد يتساقط من الهزال ويتآكل فى فم الفراغ الكونى، فاخترع العالم وكائناته، كى يتسنى له التغذى والعمل بجدية، هو لن يؤذى شيئا بحق، اخترعهم من العدم وسيعيدهم إليه مجددا"

 لكل مبدع، خيوط يحب أن يتتبعها على الدوام، وبالاستفسار عنها في حالة أسماء حسين، تجيب بلا تردد أنها تفضل أن تحمل أي فكرة واقعية، إلى واحة من الخيال لتمنحها هناك أشكال جديدة، هذا هو شغفي والخيط الأكثر رغبة في الإمساك به طوال الوقت، يشغلني هذا الشكل من التناول، مزيج الخيال بالغرائبية.

وبخصوص الشكل الذي تكون عليه مكتبتها الشخصية، وتفضيلات البعض أن تكون "شديدة التنسيق"، وآخرون يحبذونها فوضوية، ردت بوصف مكتبتها على أنها تبدو كغابة واسعة بعد أن تحولت الأشجار بالفعل إلى أوراق، تملك كل خصائص الغابات كما أراها، أو هكذا أشعر.

وتتابع: هي بالنسبة لي شاسعة وضيقة معًا كالغابة، أرتبها بنظام يحمل لمسة فوضوية طبيعية، جدرانها من الخشب البني الداكن في شكل مدبب ومنقوش يحمل لي الشعور بحضرة جذوع الأشجار فيها، عند جردها وترتيبها أشعر بدفء وسط الكتب المتراكمة حولي لكني كذلك أشعر بالضياع، لذلك دائمًا ما أرى مكتبتي كغابة.

وحول الدور الذي يمكن أن تلعبه "المآسي والسوداويات" في تحفيز خيال الكاتب أكثر من الأحداث والتجارب السعيدة، تجيب بأن خيال الكاتب يتغذى على المآسي وتزيده سوداوية الأحداث فائض من الإبداع، فالألم عامل ضروري لصقل وتقويم التجربة الإنسانية للروح وبالتالي الكتابة، والتي تبدو خالية من المعنى بدون تجربة الحياة ذاتها في خلفيتها.

لتضيف: عندما نتألم وعندما نحب، نكون في ضيافة الهشاشة، والهشاشة للمبدع دائمًا في ضيافة الموهبة، الألم ضروري للإدراك، والإدراك ضروري للتجربة وللموهبة، والتجربة والموهبة والإدراك جميعهم ضروري للكتابة.

 وتستطرد: لكنها ليست وسيلة للشفاء من آلام الحياة كذلك، إنما لإعادة تدويرها. أعتقد أن الكتابة لا تحرر أحدًا من هواجسه أو تشفي ندوبه، وهي ليست عملية علاجية بالضرورة. بل عملية تدوير، يمكن للإنسان إعادة تدوير الأشياء وتصريفها خلال الكتابة بحيث يتمكن من التعايش معها أو تخطيها. بما في ذلك هواجسه واهتماماته وقضاياه وآلامه.

وعن رأيها في انتشار بعض الكتابات والأعمال التي توصف بالرديئة، والتي تنتشر مع معرض الكتاب على سبيل المثال، ترى أن الكتابة لن تتاثر باختلاط الجيد والرديء، أو طغيان الرديء لبعض الذائقة الشعبية غير المؤهلة ثقافيا لبعض الوقت مثلًا، وهذا شيء مؤقت فقط ويسقط بالتقادم.

وتتابع: لن يؤثر هذا الاختلاط على الكيفية والجودة للعمل الأدبي الذي سيبقى زمنيًا، فالعمل الجيد تبقى له مكانته وقدسيته دائمًا، وخاصة بمرور الوقت، بينما تتلاشى بقية الأعمال بمرور الزمن وتسقط في النسيان. القداسة تكمن في العتاقة كما يذهب أرلوند هاوزر.

ولكن الغريب أن الرداءة نفسها ليست واحدة، فهناك رداءة الفكرة بأكملها وعدم وجود شيء لدى من يكتب سوى رغبته ليصبح كاتبًا فقط، وهناك رداءة الموهبة أو اللغة حول فكرة ما رغم قابليتها للحكي أو التناول. أحيانًا حتى الكتاب الرديئون يقولون الحقيقة، إنها رداءة الحياة ذاتها.

وبخصوص قادم أعمالها، كشفت عن أنها تنوي التوقف قليلا عن السرد، وأنها تفضل التركيز لفترة مع الترجمة قبل مواصلة السرد، لذا فإن عملها القادم سيكون في فئة الترجمات.