لا أحب دور الضحية، ولم أحب أبدًا الشعور به، حتى وإن كنت ضحية بالفعل خلال المرور بأي تجربة في الحياة. حتى وإن تمزقت وتآلمت وبكيت أو تحطمت. أرفضه. وبالطبع دور الجناه ليس لي. كذلك لا أحب الجناه الذين يلعبون دور الضحية زورًا، ولا الناجين الذين يتقمصونه بمبالغة. دور الضحية مبتذل رغم صدقه أحيانًا، وهو يحمل في طياته ابتزازًا عاطفيًا خطيرًا، يلعب عليه البعض لاكتساب مزايا كثيرة عبره لأنفسهم. ولأنه لا يستمر طويلًا في الحقيقة، الحياة تضمده بطرق عدة وتحوله إلى ندبة تجدد ذاكرتنا بالألم، فاستمرار الشخص في معاملته كجرح مفتوح يعني أنه يضع مكياجًا ثقيلًا على الحقيقة. كما أنه دور لا يحصد الحب بل الشفقة وضمير التعاطف. مثله مثل المواساة، التي لم أتحملها يومًا، وأدرت ظهري لها كثيرًا لأنها تجرحني أكثر. فضلت الصمت دائمًا. أي الأشياء أكثر تعبيرًا عن الحزن أو الفقد أو الألم مثل الخرس؟! الخرس التام.
حين تدفع الرياح إلى صدرك سكينًا، هل تنتزعه متحملًا الألم حتى يلتئم وتمضي، بفرصة للنجاة. أم تغرسه بيديك أكثر وتنتحب مطولًا عليه، وتسقط معه.
لم أحب دور الضحية أبدًا، أحب الناجين، ولا أفهم من يصرون على ممارسته والوقوف عنده وفقد أنفسهم فيه حتى وإن تأذوا فعلا. لا أحب أن أفقد نفسي، لذلك أرفض دور الضحية عندما تدفعني له التجارب. دور الضحية ليس نبيلًا، لا نبل خاص في الألم. النبل في عدم صناعة الألم للغير. أفضل دائمًا دور "العابر" البسيط والواضح، العابر الذي يجتاز البحر ناجيًا من دواره، مهما صادف في عرضه من آلام مزقته ومهما اكتشف داخله من أشياء أخرسته، يعود للشاطيء ناجيًا بعد كل شيء، مكتسبًا خبرة أخرى وحاملًا أسرارًا جديدة في حقيبته، ويستكمل طريقه بنفس البساطة. كناجٍ وليس كضحية.