كانت تحب عطرًا ناعمًا.. زجاجته خضراء، كما كل شيء حولها وحولي عادة
وكانت تحب الورد، وفطائر الزعتر.. والأحذية ذات الكعب العال .. كان كل شيء فيها أنثويا ناعما
وكانت في كل مرة تقول: يا عمري أنا ما بدي شي .. لكنها كانت تأخذ الهدايا بفرح طفلة فهمت لتوها معنى الهدية. ثم تعرضها أمام جاراتها وصديقاتها، جاراتها جئن اليوم بالصدفة وتحدثن عنها..
كانت منذ أربعة أشهر، ستكمل عامها التاسع والخمسين
في الشهر ذاته الذي اكملت به عامي السابع والعشرين
ما كان ليتغير بها شيء، لا زالت جميلة، ونضرة .. وحلوة الصوت
ربما خط الشيب شعرها فقط هذه المرة ؟
كنت أقول لها انني أحب الحياة وأحبها، وأنني سأعيش حتى أري ليل شعرها الاسود يتحول الى الياسمين
كانت دائما تقول لي بثقة ودلال: نحنا شعرنا الفاحم بعمره ما يمسه الشيب الابيض..
كانت منذ أربعة أشهر ستكمل عامها التاسع والخمسين .. لولا انها خلال أقل من شهر واحد ستكمل عامها الخامس في الرحيل
الأول من أكتوبر يجرحني دائما.. ويقف بساعاته مذنبا يقتلك بوجع حاد في صدري كل مرة. ولا ينال جزاءه فلا يتكرر كل عام
كنت اتمنى أن أعيش للحظة التي أرى شعرها الفاحم الجميل وهو يتحول للابيض .. ولكنها كانت على ثقة من رهانها، وظل شعرها فاحما للنهاية
لم يكن عندي يوما أمل المشتاق يا أمي، لأنه كذاب.. قبلت الحياة من بعدك، استطعتها..
أحببتها وأحبتني.. كما أردتِ دائمًا
لكنني أعترف أنني في تلك الليلة، كما ليال عدة، لم أنم.. بقيت أفتش عن حزن يليق بكِ.. حزن يعيدك .. فلم أجد!
فقبلت مرة أخرى وعن طيب خاطر الحياة، أحببتها.. وأحبتني
ينظر أبي لي في كل مرة يلمحني فيها أمشط شعري ويقول: "شعرك يشبه تماما شعر أمك..جميل، جميل.." .. ينظر إلى وكأنني شيء مقدس، وكأن ذلك الشعر آية.. انه لشدة ما اصابه من عادة النسيان مؤخرا، يكرر الأمر في كل مرة وكأنها أول مرة .. عندما أقص شعري يبدو مجنونا وكأنني قصصت عقيدة..
أقول لنفسي "يا هل ترى سأعيش لأرى الليل يتحول إلى الياسمين هذه المرة ؟" .. ربما وربما لا، إلا أنني الآن أصبحت مؤمنة بذات إيمانك، سيظل شعري فاحمًا دومًا .. ولن يخطه الشيب مرة ..
كل شهر وكل ليل وانتِ بقلبي يا أمي ..