لا يمكن إخفاء الحزن طويلا، يظهر على وجهي دون أن أملك القدرة الكافية على تغطيته، ولو فقط في ذبول وجهي وعشوائية نظراتي. تنتفخ عيناي كثيرا وتحيطها الخطوط، يبدو جليا في المرآة أن السبب هو البكاء لأيام متواصلة، أهمل نفسي بشكل مريع، قد أتوقف عن تناول الطعام إن لم أقتصر فيه، عن ممارسة الرياضة، الرسم، الكتابة، كنت قد أتوقف عن الذهاب للعمل لو كان الأمر بيدي، أنزوي على نفسي حتى أصير بحجم عقلة الأصبع، تصير أصابعي دائمة الرعشة في الحركة، أظل أصنع القهوة طوال النهار، وحتى دون أن أرتشفها أحيانا، فقط أحاول إشغال عقلي عن التفكير بسبب الحزن، أنتقي ملابسي بطريقة عشوائية مضحكة بعد أن كان اختيارها شغلي الشاغل قديماً، أصنع النكات أحيانا - وأنا أجيد صنع النكات أحيانا - ليس بفضل قدرتي على المرح بل على الهرب. لا أجيد الابتسام بإشراق كما السابق، تختفي ضحكتي التي كانت بالماضي تملأ وجهي بهجة، أتحسس سريعا كالأطفال مرهفي التحمل، من قسوات الآخرين العابرة، وأصير أكثر هشاشة من نبتة ضعيفة تحتاج للري بحب دائما ولا تجد من يروي.
لا يمكنني فعل ذلك، وإدعاء أني بأفضل حال أمام الجميع لإرضاءهم، فأهرب من الآخرين وخاصة الغرباء معظم الوقت، أفكر في وحدتي التي تبقى في نهاية كل أمر مهما أقنعت نفسي بالعكس كذباً، فأجدها أقرب لي هكذا. أحاول إلهاء نفسي في كل ما يمنحني المتعة فأنجح قليلا وأفشل أكثر. فالحزن لا يختفي حين نحاول تجاهله، أو تجاهل سبب وجوده، بل على العكس من ذلك، يكبر بالقرب منا حتى يبتلعنا ذات ليلة ونحن نيام مغمضين. وربما كان ذلك لنا أفضل.