16 مارس 2018

وحدات صغيرة

 كتب وديع سعادة لچاك كيرواك ومارتن لوثر كينج وآلن غينسبرغ وسركون بولص وبسام حجار، ربما كتب لهم لأنه كان يحبهم حقاً، ولكن الأكيد انه كان وحيداً، وحيداً جداً.

انظر يا عزيزي على مدار التاريخ الأدبي، خاصة الرسائل، أنظر لرسائل كافكا - البائسة والتي لا نحبها - لميلينا، ورسائل فان جوخ لأخيه ثيودور، ورسائل جبران لمي، ورسائل ڤيرچينيا وولف لڤيتا. كل هؤلاء أمام العالم، كانوا يكتبون للمرسل إليه، لكني أدرك ومتأكدة تماماً بأنهم كانوا يكتبون لأنفسهم أولاً، لكي يدفعوا الوحدة من تحت أظافرهم ومن فوق أناملهم، لكي يطردونها من تحت جلدهم على الورق، ثم يرسلوها بعيداً بعيداً مع سعاة البريد عبر المحيطات لأشخاص أخرى، اعتقاداً منهم أنهم يتخلصون من وحدتهم مع الكلمات داخل تلك الأظرف، لذلك السبب فقط كانوا يكتبون الرسائل. أعتذر منك - يا روح قلبي - مجدداً، أعتذر من أنني أعيش وحيدة ومن أنني كاتبة، ومن أنني هكذا أصلح لأكون كاتبة وحيدة، مع ذلك لا تكتب أدب الرسائل، ومن أنني أستطيع أن أحبك، جداً. دون قول أو كتابة.

وبينما نتحدث عن نواقص العالم والشعر والرأسمالية والجنس بين التنديس والتقديس والمدن والتعاطف والغيرة وخجلي والحياة بين دخان سجائرك ودخان مدينتي، لست من النوع الذي تخلو منه الكلمات في المواقف لأن مثلما قال مصطفى ابراهيم "كار الكلام كاري." ولكن في كل مرة تخذلني مفرداتي واستعاراتي الواسعة أمام من أحب، كالأطفال ربما، فاستمع لصوت قلبي يود أن يقول ويصمت.. وتبقى مأساتي أنني اخجل دوماً أن أقول أن الهشاشة هي كل ما يوقظني في الليل، وأن أصابع يديك في الكف هي كل فكرتي عن الأبدية، وأن حقيبة السفر ما هي الا استعارة مصطفى ابراهيم في قصيدة تفرانيل ٥٠، وأنني رغم كل ما كان من العالم وما لم يكن بعد، أعترف أن لا يزال في قلبي محبة وطفولة تكفيان لهُداك ولكفري.

وخلال ضجر الوحدة ألقي بكتاب “تدريبات على القسوة” جانباً وأحمل بين يدي ديوان شعر آخر كتبه "ويلفرد اوين" وقت الحرب الكبرى الأولى، وأستغرب كم يشابه حبنا اللقاء بعد نهاية تلك الحرب التي وصفها اوين، فلو كنت أنا الجريح والتائه والمقتول الغريب قد تصبح أنت كل الملاجئ والأدوية والضمادات وكل ما بيننا هو صوت العالم: حتى أن بعضها أصوات صراخ امهات واطفال وسيارات اسعاف، وأندهش وأنا أجد نفسي لأول مرة أنظر لفكرة الحرب على أنها تبدو كما لو كانت فعلا مبررًا أفاد البشرية.