28 ديسمبر 2019

الوقت المثالي للكتابة

 لدى بعض الكتاب مواقيت مُثلى للكتابة، إذ منهم من يكتب بطريقة منتظمة، ومنهم- بسبب الكثير من الملهيات- من ينقطع عن الكتابة فترات طويلة قد تمتد لشهور وأحيانا لسنوات لكنه حينما يكتب، يكتب بشراسة. هناك كُتاب يفضلون الكتابة فى الصباح الباكر، وآخرون لا يكتبون إلا فى المساء، وبين هؤلاء وأولئك من لا يتقيدون بمواقيت معينة للكتابة.

إن اللحظة التى تشهد تفجر الإبداع لحظة باهرة وغامضة لا يعرف أحد من أين جاءت أو ما الذى ستسفر عنه ولطالما شغلت تلك اللحظة اهتمام الكتاب والباحثين والصحفيين، فلا يخلو حوار صحفى مع مبدع ما فى أى بقعة من بقاع العالم من سؤال عن الوقت المثالى للكتابة والإبداع.

كما يوجد الكثير من الكتب التى ضمت شهادات أو حوارات حول هذه اللحظة التى يجلس فيها الكاتب إلى طاولة الكتابة ليمنح الحياة لأبطاله. من بين هذه الكتب كتاب (يوم فى حياة كاتب) للمترجم على زين الذى ضم شهادة 59 كاتبا ينتمون إلى بلاد مختلفة واتجاهات أدبية مختلفة أيضا.

فى الكتاب يقول الروائى كى ميلر الفائز بجائزة «بوكاس» للأدب الكاريبى فى العام 2017 «لطالما حسدت الكتاب الذين يعرفون أفضل الساعات للكتابة. الكاتب الذى لا يملك روتينا للكتابة، ويطارد أفكاره بينما يلعب «كاندى كراش».

يبدو السؤال بسيطا بما فيه الكفاية: كيف يبدو روتين الكتابة اليومي؟ ثم ماذا؟ لهذا السؤال وزن. وخلفه يكمن ثقل ما، إحساس يشبه القلق، ما ينفك يتعاظم ويلتهم. هل توجد أيام للكتابة حقا؟ هل يوجد وقت مثالى للكتابة؟ وهو السؤال الذى طرحناه على خمسة من أدبائنا وهم: وحيد الطويلة، حمدى أبو جليل، هانى عبد المريد، عزة سلطان، وأسماء حسين فقدموا شهادتهم حول الوقت الذى يرونه مثاليا للكتابة.

|

أسماء حسين: كل وقت هو وقت مناسب للكتابة

أحيان كثيرة أشعر بأن الكتابة تقف فى أنفي، كشخص يريد أن يعطس ولا يستطيع، فتتحكم بكلامى ليقل كثيرا، وتتحكم فى رؤيتى لتضيق قليلا، أنتظر العطسة لتخرج، أقرأ بعض الأشياء أو أقوم بالروتينيات المعهودة لحياتى حتى يحفزنى هاجس بأى من الأفكار التى تدور فى رأسي، وأحيانا لا تخرج العطسة ولا الكتابة، أحاول أن أتجاهل الفكرة وأن أنشغل بشيء آخر ولكن فكرة الكتابة أقوى من باقى الأفعال، أتذكر أن رضوى عاشور كانت تقول إن الكتابة فعل «أصيل» جدا وربما لا يمكن تشبيهه بالعطسة. ثم أخيرا أقف فى بقعة ما فأعطس حقا، وفى المقابل أكتب شيئا ما يشبه الكتابة ويشبه العطسة.

كثيرًا ما تتم مناقشة «أفضل وقت للكتابة» لدى الكتاب، لكننى نادرًا ما أحاول مناقشة ذلك مع نفسي، أكتب فحسب. كيف؟ بنفس ميكانيكية العطسة، حين تأتى أحاول أن أدعها تخرج، الكتابة بالنسبة لى فرحة، وهى أيضًا صوت وترجمة، وهذا يعنى أن ما بداخلى من أشياء سأحاول فقط أن أعبر عنه علنًا.

الكتابة ملحة، والحياة قصيرة، لذا فأنت لا تعرف أبدا ما الذى قد تخسره فى انتظار التوقيت المناسب، كل ما نحتاجه هو التركيز والاستعداد للحصول على كتابتنا، فربما الكاتب الذى ينتظر الظروف المثالية للعمل قد يموت دون وضع سطر.

إذا اكتشفت ظرفًا مثاليًا للكتابة، فسأستخدم ذلك الاكتشاف، إذا لم أكتشف ذلك، فسأظل أحاول فى أوقات مختلفة، وأتعرف على نوع «التدفق» الذى أحصل عليه خلال ذلك.

ما على سوى الكتابة كلما أمكنني، وبقدر ما استطعت، بغض النظر عن الوقت الذى أكتب فيه، الصباح، المساء، وقت الذروة، خارج أوقات الذروة، بعد التمارين، فى الحمام، أثناء المشي، خلال العمل، الفارق هو رغبتك فى إخراج العطسة وعدم مقاومتها.

من المفترض أن إرنست همنجواى يقول: «اكتب ولو فى حالة سكر، ثم عدّل برصانة»، ربما المسودات الأولية هى تلك الفوضى الخام، التى نكتبها عندما نستطيع، ثم يأتى التحرير، وهو ما يجعل الكتابة جميلة حقًا، لذا قد يكون «الوقت المثالى للكتابة» بالنسبة للبعض منا هو الوقت الذى نحررها فيه.


رابط الموضوع كاملا:

مواقيت الكتابة.. شهادة حول الوقت المثالي للإبداع.