تقول شقيقتي أن شعري يتساقط حولي مؤخرًا مثل قطة.. هذا ما تقوله صديقتي أيضًا وتجن كلما وجدت خصال شعري بعد رحيلي على كل الأشياء كتوقيع صارخ على مروري. ربما صار هذا ما ورثته عن القطط التي أعتني بها، ذاكرة تتساقط في كل زاوية وتلتصق بكل نسيج لتشبهه.
يقول أبي أن الأشياء تتساقط من عقلي بغرابة، أنسى أغلب الأشياء حتى أنني نسيت الحليب كثيرًا دون أن أعود له، وأحيانًا أنسى مفتاح البيت كأنما أيضًا لا عودة لي. يقول أصدقائي بأنني أنسى مواعيدي معهم، يستاء أصدقائي من أنني أسقط المواعيد التي وعدت بها مسبقًا، لا يعرفون أنها تسقط من تلقاء نفسها من ذهني، وحين تعود تصير غريبة وعليّ أن أتعرف مجددًا على رغبتي بها. لا أحد يعرف أنني ألعب دور التائهة التي لا تعرف من أين جاءت ولا أين ستتجه، لأنها فرصتي الوحيدة لنسيان كل سوء، والبدء مجددًا.
تتساقط أحيانًا فرش الرسم من يدي أثناء التلوين، وأحيانًا العام ٢٠١٢ والعام ٢٠١٥ الذي لا أتذكره بالمرة، ولا أي حدث أو تفصيلة تشير أنني عشت حينها، كورقتيّ تقويم أسقطتهما ذاكرتي لأنها لا تريد الالتفات مجددًا. أسقطت الأول من أكتوبر في كل عام، ومؤخرا أكملت إسقاطه بأكمله. أسقطت أحداث وتواريخ كثيرة عن ذاكرتي حتى لا توجعها، لم أكن حينها أكذب أو أتخفى أو أترك نفسي للتوهم، كنت فقط أسقطها فعلا. تتساقط عن ذراعي أصابع عديدة، تتساقط من أصابعي اللحظات، وأحيانًا تكون قدمي من تسقط في شوارع لا أعرفها، وأحيانًا صوتي.
أنسى كل شيء فعلاً وليس مجازاً.. تتساقط التفاصيل عن رأسي والأشياء عن قامتي كما يسقط المطر من السماء بلا عودة.
ربما كانت تلك هي طريقة العالم في التربيت عليّ.. أن يتساقط عن ذاكرتي عبء الأشياء. أن ينقذني من التفاصيل. ربما عليّ أن أكون خفيفة كفاية، متخففة من كل شيء.. لكي أحتمل يد العالم وهي تمسح على رأسي.