28 سبتمبر 2018

خرافة.. بشعرٍ أسود



حين كنت صغيرة كان لدي شعرًا طويلًا ناعمًا ونادرًا ما أعقده او أجمعه عن وجهي. أذكر كيف كانت زميلات المدرسة يضربنني ويقصصن شعري بلا سبب، أذكر كما لو أن الكدمات والخدوش في جسدي الضئيل باقية للآن. ثلاث مرات عدت فيها باكية إلى أمي وشعري متقطع بين يدي دون أن أدري السبب. "لماذا يفعلن هذا بشعري يا أمي؟" لكني حينما كبرت أدركت أنني امرأة.
وفي بدايات عشرينيتي جذبتني امرأة من شعري بقوة حتى تأوهت، عللت ذلك بأنها ودت التأكد من أنني لا أرتدي باروكة لأن شعري أسود جدًا كما يبدو. ذات مساء في السينما التفتت وسألت صديقي عن "صبا مبارك" لماذا لا يعلق الناس على لون شعرها فضحك وأجابني أنها بعيدة، ليست في متناول أحد. انها نجمة. ولو أنها في متناولهم مثلي لفعلوا ما يفوق ذلك. أدركت أنني كبرت وصرت امرأة. وفي متناول الكون يوميًا.
دائما هناك ثمن علي أن أدفعه لأنني امرأة. تكرهني امرأة أخرى أو نساء بلا حصر فقط لأنني امرأة. تكيد لي المكائد أو تؤذني أو تكرهني بلا داع لأنني امرأة. تنتقص مني السماء في نصوصها لأنني امرأة. يحاربني مجتمعي لأنني امرأة. أخسر أمام تشريح ذكرياتي لأنني امرأة. يترصدون للرجل الذي أحب بضراوة لأنني امراة. يعادون حبنا كقطاع طرق، حبنا الذي هو هدية السماء لنا والتقاء كفي قلبينا، فقط لأنني امرأة. أفقد دوري في طوابير البقاء بها للأقوى لأنني امراة. تفترسني الشوارع لأنني امرأة. يتساقط شعري الذي لم يعرف الرفق يومًا في يدي كما انتزعته أيدي القساة لأنني امرأة. أفقد أقراطي الحبيبة دائمًا ويمسني حزن لا يفهمه أحد لضياعها لأنني امراة. أرى الحياة وهي تتفجر من رحم شقيقتي من وسط الدماء وتصدر صوتًا يجرّ قلبي وأتعلم التماسك أمام مخاوفي لأنني امرأة. أنزف كل شهر وتنزف ذاكرتي معي كل حزنها لأنني امرأة. ويمشي على قلبي الناس بأحذية يخرج منها الشوك فقط لأنني امراة.
تصالحت من وقت طويل مع حقيقة أنني لن أعيش دون أن أؤذى. دون أن أطارد كلافتات الخصومات العاجلة. ومع حقيقة أنني امرأة في عالم لا يعرف كيف يحب امرأة أرادت أن تحبه. وصارت الأشياء ليست ذا شأن.
الآن أدرك أن علي لكي أتكيف مع تلك اللعنة الصغيرة.. أن أهزمه بلعنتي ذاتها. أن يهزمه ألق أني امرأة. وأن أتوقف عن كوني في متناول العالم أو ناسه وللأبد. أحارب قسوة العالم تجاهي كل يوم بأن أظل بعيدة.. أكبر بعيدة كخرافة.. بشعرٍ أسود.