لا أستطيع التعامل مع الضوء. ولم أملك يومًا مهارات لفت الانتباه اللازمة لمجاله. في طفولتي وبعكس الصبية الذين يتمارضون لنيل الاهتمام، كنت حين أمرض أكتم الأمر عن أمي حتى يتفاقم بي ويغمى عليّ. لذلك كنت أتعرض للاغماء في مناسبات مختلفة، ربما كنت الطفلة الأكثر اغماءًا في العالم. ودون ان اقصد كنت ألفت الانتباه بهذا! فيذهب كتماني للمرض سدى. في سن صغيرة نلت لقب فتاة مثالية بالدراسة وكل ما شغل بالي هو رد فعل أبي، وحين لم يهتم كثيرًا تواريت في صمت ودمعت عيناي خلف باب غرفتي المغلقة. ما لا يعرفه أبي حتى الآن أن جرح عدم سعادته بالأمر جعلني أذهب في الصباح لأتنازل عن التكريم وألحق بالرحلة المدرسية التي ألغيتها لأجله وأنطلق عبر الحشائش والألعاب مع الصبية لأنسى جرح لامبالاة أبي. زملائي بالعمل ينجحون عني دائمًا في إلقاء الخطب العلنية، برغم أني من أصوغها وأقرها وأتحكم بها. أمام الكاميرا نصير أنا وهي مرآة للشيء ذاته أقف أمامها جريئة وفاتنة ربما، محبة لكل خلية تصوب عدستها نحوها بي، بينما في الشارع أمشي بخجل متحاشية كل الأعين والنظرات المصوبة نحوي، أسير داخل نظارتي غالبا نهارا، لا أرتدي نظارتي بل أغمس نفسي فيها. وحين تدعوني زميلة لإلقاء بعض النصوص أتهرب بكياسة كي لا يجرحها رفضي القاطع للظهور والقراءة معًا، أتذرع بلثغتي الخفيفة التي لم ينجح المران في دفنها تمامًا، او صوتي الخفيف كقميص صيفي شفاف. يدعوني زميل لحضور إحدى الندوات الحافلة بالحضور فأساومه على فيلم سينما، بدلًا عن غمس نفسي في حشد من الناس المجهولين في عالم أتجنب قدر المستطاع فيه زيادة رصيدي من الاختلاط بالبشر، مما يفيض عن حدود حياتي وحاجتي. أحب النشر وأكره حفلات التوقيع، لأني أحب أن أكتب وأن تخرج الكتابة للحياة بحرية وأكره العرض. أحب كتابة النصوص وأكره إلقائها. أحب أن أغمر أحبتي بعاطفتي دون أن يلقي العالم الضوء على اهتمامي. في عمر العشر سنوات تناديني أمي متباهية لأُري صديقاتها ابداعاتي الصغيرة فأشعر بالخجل وألجأ للنوم محرجة.
أحب الضوء في كل شيء وأخاف الظلام كثيرًا، عدا في وجودي بخط الحياة أو ممارسة العلاقة الحميمة، أحب الضوء في الرؤية والمساحات والعلاقات والمعرفة، ولا أطيقه عندما يسلط عليّ حين أعيش أو حين أحب وأمارس حبي. لا أستطيع الوقوف في الضوء طويلًا، وأحسد أو أشفق أحيانًا على من يسعى له سعيًا بكل الطرق الجيد منها والسيء.