7 فبراير 2018

..


كان ‏"ماكس برود" يذكر أنهم حين كانوا يستمعون لكافكا يسرد الفصل الأول من "المحاكمة" يضحك وهم معه. كنوع من التهكم العبثي. ولم تخل كتاباته من السخرية كذلك. كما ذكر أن نظرتنا لكافكا يجب ألا تخلو من النظر إليه بكونه إنسان محب للحياة.. حتى أن مثله كانت له ألاعيبه العاطفية. ليس مجرد زاهد بائس الحال كما نريد أن نرى. حتى أن كونديرا عارض كثيرًا تأويل كتاباته في فئة السوداوية.

ومؤخرا جاءت شهادات للمقربين من سيوران في سير ذاتية، كيف أنه كان عكس كتاباته يمزح ويضحك طول الوقت.. وكان يرى أن الضحك ذاته ظاهرة عدمية. وكتب عن نفسه قائلًا إنه حتى في أعمق لحظات اليأس؛ كان قادرًا على الضحك.

ولا يستبعد أن كافكا كان يملك نظرة ساخرة وهو يتخيل غريغور سامسا حشرة عملاقة قبل أن يكتب "التحول"، الضحك جزء من حالة التهكم التي يرون فيها العالم ويكتبونها.

لماذا نراهم بهذه السوداوية؟

هناك ترويج خاطيء للإدراك باعتباره سوداوية. وأحيانًا جاءت اتهامات خاطئة بأن سوداويتهم إدعاء أو مادة للكتابة فقط.

ما يكتبه الإنسان هو ما يدركه عقله ويسكن في تفكيره.. وليس بالضرورة سلوكه، أو مكون متحكم بشخصيته.

مثلما يرى الطبيب مدى بشاعة ألم الولادة ويتأثر به، ويدرك ما فيه من غصة.. لكنه لا يصرفه عن الاستمتاع بحياته خارج غرفة الولادة.

والكاتب الذي يكتب عن ادراكه في الحياة، ليس سوداويا. مهما بدا الإدراك قاسيًا.

المدرك يرى الألم جيدًا ويكتب عنه.. لكنه لا يتصرف أو يعيش وفقًا له.

والإدراك بالضرورة مؤلم.