"أحلام الأطفال قطعة حلوى، وهذا طفل يبيع حلمه" .. كان ذلك ما فكرت به وأنا أنظر لملامحها التي تناضل وداعتها أمام الإرهاق..
طفلة جميلة لا ينتقص من جمالها كونها مغبرة الثياب أو متعبة الوجه، تبدو تقريبًا في عمر ابنة شقيقتي في السابعة من عمرها، كانت تبيع الحلوى في عربة الأوتوبيس التي أستقلها بمنتصف النهار.
وكعادة البائعين في الحافلات وعربات المترو ألقت عليّ سلعتها ثم تخطتني دون النظر إلى رد فعلي ورغبتي أو عدمها في الشراء، التقطت حلواها واستوقفتها سريعًا لأعطيها واحدة من باقة شوكولاتة اشتريتها لتوّي وأحملها في حقيبتي، ترددَت قليلًا ثم أخذَتها في فرح تخفيه.
تابعت الفتاة مهمة إلقاء الحلوى حتى نهاية العربة بطريقة أقرب إلى الآلية، ثم عادت سريعًا إلى أولها لتكمل الجزء الثاني من صفقتها. بدأت في جمع الحلوى مرة ثانية في حال عدم بيعها، أو جمع النقود في حال تمت بيعتها الضئيلة.
حتى وصلت إلىّ، فأبطأت حركتها ونظرت إليّ مباشرة وعلى وجهها نظرة مترددة وابتسامة مكسورة، ثم مرت محرجة دون أن تسترد حلواها ودون انتظار لقيمتها من نقود! مما اضطرني لملاحقتها بحقها.
افترضت الصغيرة أن قطعة الشيكولاتة التي شاركتها معها هي ثمن الحلوى، وأنني ألبستها دينًا تجاهي، وكم أوجع ذلك خاطري وقلبي !
أدركت الصغيرة مبكرًا درسًا ربما نحتاج الكثير من العمر كي ندركه، لأنني من جانبي تعلمته متأخرة.. وبالكثير من الخسارة.. البشر لا يفعلون الأشياء دون مقابل، حتى الطيبة والودودة منها، لكل شيء ثمن لديهم، ثمن يحددونه مسبقًا من أرواحنا وأعمارنا وذاكرتنا، وهي -بغريزتها الطفولية- قررت أن تدفع أولًا بأول.