8 أكتوبر 2017

بدنا نعود..




بعد بحث طال عنها، بالأسبوع الماضي فقط امتلكت نسخة ورقية لكل ما خطته يدا غسان كنفاني تقريبا، وكمن وجد كنزه المفقود وكإحتفاء يليق به انفردت بكتبي لأيام حتى قرابة الفجر، أتجول في مرح من رواية إلي قصة إلي كتاب.
لم يكن غسان كنفاني سوى وجع فلسطيني خالص! ، كان من أمثالنا، يشعر أكثر مما ينبغي ويكتب أجمل مما ينبغي، لكن يبدو أن كنفاني أبى أن يحل عليّ ضيفا وحده، جاءني ومعه بعض من فلسطين.
كانت أولى مواقفي يوم الأربعاء الماضي مع سيدة فلسطينية جميلة جاءت لإنهاء معاملات أوراق حكومية بنفس المنشأة التي كنت بها، وعلى غير عادتي أطلت معها الحديث وكنت أنا من يبادر لجرها لمزيد من الكلام، أحببت لهجتها كثيرا، في الواقع بداخلي عشق غريب لكل ما هو فلسطيني بالفطرة، علمت منها انها بانتظار فتح معبر رفح بفارغ الصبر لتعود إلى بلادها.
"بدنا المعبر يفتح، بدنا نعود"

بدنا نعود ..
هكذا قالتها وظلت تتردد بداخلي، ما أصعب ان تكون غريبا أبديا، غريبا على أرضك وكل أراض بلاد الله، وراغبا أبديا في عودة ما لا تعرف متى تجيء !

لكن أسبوعي كان محملا بمزيد من فلسطين وكنت على موعد آخر مع أوجاعها، بعد انتهاء عملي وأثناء خروجي وعلى بعد امتار من المستشفى القريب من عملي، استوقفتني سيدة يبدو من ثيابها انها ليست مصرية، أخبرتني أنها تتوسم بي خيرا وأنها تود سؤالي عن أمر ما، لم يكن في ملامحها ما يثير قلقي ويدعو لابتعادي كرد فعل أصبح ضروريا للتعامل مع الغرباء في مصر، لذا استمعت إليها ،كانت تغالب دموعا وحيرة أراها بعينيها.
حكت لي أنها فلسطينية جاءت من غزة مع زوجة ابنها التي تعالج من ورم بالغدة الدرقية ولديها موعد بالغد لجرعة علاج اشعاعي ولا مكان لديهم للمبيت وان إحدى الجمعيات الخيرية عرضت عليهم الإستضافة، كان سؤالها لي عن هذه الجمعية "أمان يا بنيتي بنروح معهم ؟"
وهنا غلبت غربتها دموعها وسال الوجع وتحركت معه دموعي لتبلل أهدابي.."ما عاد بدنا علاج يا بنيتي، بدنا المعبر يفتح، بدنا نعود"
بدنا نعود..
وانتهى يومي بعد ذلك، انتهى حرفيا.

ترى متى العودة يا غسان !