20 أبريل 2017

مبررات فاخرة للانتحار - 2


يروقنى اليأس أحيانًا .. عندما يكون قاطعًا.
ذاك الفشل النهائى من المحاولة نحو الأمر .. لأنه بصورة من الصور، يتيح لك المجال لتغيِّر وجهتك؛ دون غصات وندم على الأبواب. وتترك الكيس المملوء بعلامات الترقيم ( فاصلة، علامة استفهام، علامة تنصيص، اشارة تعجب .. ) على مقعد المحطة، بجوار جمل أخرى طويلة وبائسة وغير مكتملة. لم تكن قادرًا على رسمها مسبقًا.
أما النجاح في المقابل.. هو أن تظل تحمل نقطة آخر السطر على ظهرك، و تجرجرها وراءك.. حتى يهدّكما التعب. ولكن ليس قبل أن تبلغ المحطة التى ترغبها تمامًا.. وبنهاية الجملة التي تعنيها تمامًا.
لطالما احترمت اليأس الواضح على المقابض في الحياة.. الوضوح الذي لا يضللك عند التفكير بالمحاولة فلا تدير المقبض، يريحك من الركض بالداخل في طرق لا نهائية من الخيارات التي تقدمها الحياة لا تفضي بك لشيء حقًا، ولا تعرف العودة.
اليأس طيب وقاطع وعادل، ومريح. بينما الأمل مخادع تمامًا، الأمل كاذب ومراوغ وخبيث وملتوي.. ينمو تحت جلدك ويستنزفك لتحاول حتى السقوط. نوع خاص من السموم التي لا نشعر بها حتى تصبح تحت جلدنا لكثرة ما تنساب في العسل برفق وخفاء.
كل اللذين تأذوا في الحياة، أو خسروا، أو فقدوا، أو انتحروا.. فعلوا ذلك بسبب الأمل، صدقني..
اليأس لم يؤذِ أحدًا. لأنه واضح وقاطع ونهائي. ومريح.
بينما التأرجح والتردد الذي يخلقه الأمل هو ما يعذب ببطء.. الأمل الذي يكرر نداؤه باستمرار لك بعد أن تيأس وتبتعد ويعيدك مجددًا طارحًا طرق مختلفة ثم يخذلك، فيتركك عالقًا ومعذبًا وتخشى العودة لليأس مجددًا كي لا تخسره، رغم كل ما يفعله بك أملك، طالما هو حريص على أن يقف أمامك ويلوح لك من حين لآخر. بما يناقض ما تأخذه منه حقًا. تمامًا كالديلر الشرير الذي يحقنك بجرعات خفية تتمكن من دمك، ثم يلقي لك بجرعات أكبر ومجانية كلما قررت أن تتعافى ولا تزوره، فقط ليعيدك للإدمان مجددًا، وبرغم أن في التعافي راحتك، فإنه لا يترك لك الفرصة. إنك تظل تتعاطى فقط حتى يدمرك تمامًا، فلا منك تشفى ولا منك تصل أبدًا للاكتفاء من تعاطيك أو الوصول لما تريد منه، لأن الإدمان ببساطة لا يصل بك لشيء ولا يريحك حقًا، تتعاطى وتتعاطى فقط، وهكذا الأمل الكاذب. وحين يعجز مريض الإدمان عن التعافي ويفشل في الشعور بالراحة من إدمانه، وتصبح حياته حلقة مكررة عاجزة من المحاولة وبلا معنى. يفكر بكل وسائل الهروب الممكنة من معاناته. وأحدها الموت. هكذا يدفع الأمل المنتحرون نحو الحافة هربًا من تضليله وخذلانه وليس اليأس. التعافي كاليأس ألم مؤقت تليه راحة. أما الإدمان فهو قاتل طليق، يسلبك مناعتك، يفقدك القدرة على الاحتمال، يحطمك ببطء.
إدمان الأمل هو ما يقتلك. هذا الأمل هو ما يدفعك للجنون والخسارة، والانتحار. وليس اليأس.
اللذين ينتحرون ينتحرون من الأمل لا من اليأس.
أحترم اليأس في أي شيء. أحترمه ويعفيني من الخسارة في المحاولة أو الوقوف على ما أرجوه من الأشياء بلا جدوى. يعفيني من التوقع وانتظار ما لا تفي به الحياة. فأسقط كل شيء برفق وأجلس لأطمئن أخيرًا في البرية الخالية من التوقعات وأواصل حلمي الهاديء بلا ركض.
هل أتعبتك عيناك؟ فقط لا تنظر/ي مجددًا. هل تجرحت قدماك؟ لا تمش أكثر. فقط لنجلس هنا ولا نحاول أن ندر شيئًا عما يحدث مجددًا في مكان آخر. هل ستتهمك الحياة بإهمالها؟ مهما كلفك الأمر لا تلتفت وتنظر. كن خارجًا عن الصورة باستمرار كي لا تتوقع تبدلها لأجلك. ما أحبه في اليأس: "لنجلس هنا.. ولا ننظر مجددًا ولا نمش كثيرًا.. في مساحة معزولة من الجهل الطيب". وراحة من الخيارات. والمحاولات التي لا تفي لما قدمته في الحياة بشيء.
لو أننا يأسنا يومًا ووصلنا لنهاية قاطعة مريحة ضمنًا، في كل محاولاتنا الفاشلة للنجاة بشيء نرجوه، لما فكرنا بالهرب والنجاة من انحيازاتنا. لكن الأمل الخبيث الكاذب، الذي يكرر نفسه، ويلوح لنا ويعيدنا مجددًا، ثم يتخلى عنا ويتركنا عالقين في نفس المساحة من التوهم والألم، وخاسرين من جديد كل مرة.. هو ما أرهقنا وجعلنا عاجزين عن الاستمرار. وهو ما دفعنا للموت في كل مرة.