أتعرف كيف يكون الشعور بأنك تصير صوتًا ما.. صوتًا تحبه ويرافقك. وأن يصيرك الصوت، لشدة ما يكاد بلحظة ما أن يشبهك. كثيرًا ما شعرت بأن قلبي في صوت نهاد حداد وهي تختلج بما يحمل قلبها ببحة صوتها وتقول “وملبَّك بالحب ملبَّك”. أو كأن يسألك أحدهم كيف حالك اليوم ؟ .. فتقول له “أنا اليوم صوت فيروز .. للغاية” .. وأنا عادة ما أصير صوتها، أو تصير طريقي. أنا اليوم صوت نينا .. أو وجيه عزيز .. أو سيمون .. أو ايديث .. أو “كل دة كان ليه”.. أو مقدمة حلم الجنوبي.. أو مقطوعة لإيلينا.. أو حتى لحن فيلم الإرهابي .. وأنا كثيرًا ما أكون موسيقى “الإرهابي” و"كل هذا الحب" على أي حال، خاصة عندما أضيع وأحزن في أزقتي البعيدة.
"هل أنت بخير ؟" .. أنا اليوم هشة كرعشة صوت وردة وهي تقول “تروح مني روحي..” .. متصالحة مع الأمر، كتصالح صوت وجيه عزيز مع ما حوله. أن تشعر أنك تتمشى داخل صوت ما كما لو كان شارعًا تحبه.. كما أتمشى مرارًا وأتوه في صوت أم كلثوم، وسيزاريا ايفورا، وفايزة أحمد. وأن يكون لك في الصوت ركنًا ما، وزاوية تحمل ذكرى خاصة لك، ورصيفًا تلجأ إليه كثيرًا، ومقهى للقاء روح أخرى تقابلك في نفس الأغنية.
"أين كنتِ ؟".. لم أنتبه للوقت وأنا جالسة على ذلك الرصيف في صوت أم كلثوم اليوم. أن تنام على صدر صوت ما، وتغفو مطمئنًا .. كما أنام على صوت منير. أن ترى وجهك واضحًا في صوت ما أكثر مما تراه واضحًا بالمرأة.. كما أرى في صوت أنغام وجهًا لقلبي لم أستطع رسمه بالألوان، أو العثور عليه في ملامحي يومًا. أن تتوه مرارًا في أغنية تحبها وتضيع بوصلتك.. كما أتوه داخل “أكلم القمر” في كل مرة. أن يصلح الصوت لأن ترتديه .. وينطق بك .. وتغفو بداخله، وتغيب طوعًا. وتتمشى لساعات طويلة كمن لا يريد العودة من طريق ما .. في صوت تحبه. أن يصبح صوتًا ما .. بيتًا لقلبك مثلما عشت كثيرًا في صوت وردة .. ودفنت عمري كله في صوت أمي. “كيف حال قلبك اليوم يا أسما ؟” *قلبي اليوم هو كل كلمة “سماح” متصالحة مع حزنها خطوت داخلها في أغنية “عود” يا أمي. ولكن هل يعود الصوت يا أمي .. هل الأصوات تعود. أم أن الأصوات مثلنا لا تعود أبدًا إلى ما كانته من قبل .. بعد أن تصير غيره.
كثيرًا ما كنت جملة التبس عليها أمر الروح في أغنية ما .. وتجولت كمتسكعي المدن الجميلة داخل لحنًا ما حتى آخري وآخره.
سنوات طويلة من الحب والحزن وأنا لازلت أتسكع داخل "هو صحيح الهوى غلاب".. ولا زالت شارعي المفضل للندم والعودة معًا.
كثيرًا ما كنت “خلتني أخاف” في بلاش تفارق- وردة .. و”بعد حين يبدّل الحب داره” في ليلتي- أم كلثوم، و”شوي وبيفلوا” في سهار- فيروز”، و”هويد” على الحجار .. و”كي تكوني ” في مذهلة - محمد عبده، و”عمري ألتقيه” في بتسأل- عفاف راضي، و”تبقى انت الشارع” في عارف- ذكرى، و”تفرقنا عن بعض” في أغاني- حنان، وآهات أم كلثوم الطويلة.
ربما لو أن لحياتي مقطوعة واحدة طويلة سأختار مقطوعة عمار لموسيقى حب في الزنزانة كحالة وافية..
كثيرًا ما كنت نوتة لحن “كلمتين لمصر” في نسخة فريق بساطة تحديدًا، وآهة فيروز في الكوبليه التاني من “الله كبير” .. وبحة أم كلثوم بالغرام في تالت إعادة من كوبليه “أحبك انت” ودخلة “ساح يا بداح” الموسيقية. حتى أنني أتحول أحيانًا إلى حشرجة ضعيفة في صوت ما، كحشرجة صوت بويكا، وأبقى هناك طويلًا إلى أن تنطفيء. في الصوت، أو في روحي.
أتعلمين يا أمي، أن روحك انتِ .. هي الحشرجة المحرقة الوحيدة في حلق قلبي، والتي أخاف التطرق إليها في الحديث حتى لا يلحظ الآخرون نشازه وشجنه عندما يتعلق الأمر بكِ، انتِ صوت الحنان الأخضر الوحيد في دمائي وصوتي..
كثيرًا ما صرت صوتًا.. وتوترت مع طبقاته، وتلبك قلبي بكل وتر مهتزّ فيه وبحة تشبهه.
- كيف حالك اليوم يا أسما ؟
* أنا اليوم صوت بويكا جدًا.. في أضعف بحة منه.
ما ليس باستطاعة القساة أن يصيرونه على أية حال..