6 ديسمبر 2015

ملح وسكر


كنت طفلة الأرض، وكأنني ولدت من رحم حديقة حيّنا القديمة. أتذكر أنني كنت أجلس علي الأرض المائلة بعد سور الحديقة طيلة الشمس، وكانت لغتي هي لغة الشمس. لم أكن أعرف الساعة ولم أكن أمتلك ساعة، ولم يكن لدي عنصر للوقت، كنت أتحدث بلغة الشمس مع أصدقائي، فتجد أحدنا يقول للآخر "لما بليل يجي نروح". الأهم من لغة الوقت كانت لغة الحب، حين كنت طفلة كنت مؤمنة تمامًا أننا نتذوق ونلمس كل ما نحب، وكبر إيماني معي، نحن نأكل أكل أمي لأننا نحبه ونحب أمي ونتذوق أثر يديها في الطعام، وكان أبي يلعب معي أنه وحش الغابة الذي يأكل كل شيء أمامه وأنه سوف يلتهم يدي وقدمي إذا لم أجري سريعًا، فهُيء لي منذ صغري أن هذا هو الحب، فكبرت كطفلة كل أسنانها ملطخة بالأرض، وتحت أظافرها طين وأوراق شجر، لأنني كنت أحب طمي الحدائق القديمة، وأتذكر جيدًا أنني ذُقت جميع ورودها، وكل شيء أخضر بها حتى خشب الشجر، كانت تلك الحدائق تحمل علامات فمي أكثر من أي شيء آخر، لذا عندما أنظر لطفولتي أذكر طعم الورد وتتجمع أمامي سنوات صغيرة تأخذ أشكال قطوف مبعثرة منه، بيضاء وحمراء ونضرة وكثيرة. كانت حياة من الكثير والبسيط. والشهي بدوره. كنت أقضم كل ألواني الشمعية قبل أن أعرف كيف ننطق اسم فان جوخ، وكنت أقبّل الدمى التي كنت ألعب بها بفمي قبل أن أعرف ماذا فعلت جالا دالي بأرنبها الأليف، لأنني كنت أشعر أن هذه هي أولى علامات المودة: أن تتذوق ما تحب. ولو ببراءة ودون وعي خالص في طفولتك، ثم تفعلها بكامل وعيك وشغفك عندما تكبر، وعندما كبرت لم تذهب تلك العادة مني، بل أنا الآن أتعرف على أشياء مختلفة لتذوقها، بشكل أو بآخر يمر فمي على كل الأشياء التي أحب، كما تفعل أصابعي، لذلك كل فرش الرسم خاصتي -مثل ألعابي- طروفها ذائبة، وكل أوراقي مكرمشة وأصابعي دافئة بملمس شفاهي، وأقلامي رطبة، ووجنات الأطفال الأحب لي تحمل مرور شفتي، لأنني أتحسس بفمي تلك الأشياء فيتغلغل مذاق لساني في أساسها ويترك لي إحساس أصيل خاص بي تمامًا بالحب. أعتقد أن ما أحاول قوله منذ البداية هو أنني يجب أن أتذوقك، وأن أتحسس كل ندوبك وابتساماتك سواءً بشفتي، وأن أحتفظ بك في فمي، كتعويذة لا تنطق، ويجب أن يحدث هذا كما قدر له، بكل الحب.