كانت خطتي لدعم فكرتي بعدم الكتابة (كثيرًا) تتضمن تحية موجزة لخوان رولفو.
بقلم: بيتر أورنر
__
أتوق لأن أصير أكثر صمتًا. ولحسن الحظ تأتي الحاجة إلى الكتابة مرة وحيدة من حين إلى حين، وحين يحدث ذلك أبذل قصارى جهدي لجعل إقامتها قصيرة.
يبدو وكأن غاية العديد من الكتب التي تدور حول الكتابة هي: "اكتب، اكتب كثيرًا. وعند الانتهاء من كتابة الكثير، اكتب بعضًا أكثر". أتساءل ما إذا كان ذلك دائمًا هو الطريق الأفضل لخلق شيء دائم وباق. أأنا وحدي في ذلك؟ أم تجد نفسك كذلك تتوق للهروب من تسونامي يومي للكلمات؟ ماذا لو كتب الناس أقل وأولوا خلال ذلك مزيدًا من الاهتمام؟ منذ شهور، عاهدت نفسي بتبني صوت وحيد جديد لعدم الكتابة. بلغت مستوى جيد في ذلك الأمر حيث أني لم أنته حتى من كتابة عمود.
أنا الآن على وشك التراجع عن كل ما أنجزته بشأن ذلك.
كانت خطتي لدعم فكرتي بعدم الكتابة (كثيرًا) تتضمن تحية موجزة لخوان رولفو. كتب رولفو كتابين، مجموعة قصصية بعنوان (السهل يحترق) في 1953 - ورواية: (بيدرو بارامو) في 1955. انتظرت المكسيك مع بقية القراء حول العالم كتابًا آخر، رواية كان من المفترض أن تُدعى "لا كورديليرا".
انتظر الناس، وانتظروا. حتى توفي رولفو في عام 1986. ولم يظهر بعدها أي عمل جديد على الإطلاق. قصة رولفو ليست الكتاب الذي لم يكتبه - بل بالأساس الكتب التي كتبها. وعندما انتهى من ذلك، كان الأمر قد انتهى بالنسبة له أيضًا.
عندما سُئل في حوار قديم عن سبب توقفه عن الكتابة، أخبر رولفو المحاور أن معظم قصصه استلهمها من عمه المفضل. وأوضح أن ما حدث لاحقًا هو أن هذا العم العزيز قد توفى. هل سبق وأعطى أي شخص إجابة أفضل؟
في مقدمتها لطبعة "غروف" من "بيدرو بارامو"، كتبت سوزان سونتاج:
"سأل الجميع رولفو لماذا لم ينشر كتابًا آخر، كما لو أن الهدف من حياة الكاتب هو الاستمرار في الكتابة والنشر. في الواقع، فإن الهدف من حياة الكاتب هو إنتاج كتاب عظيم - أي: كتاب سيبقى للأبد - وهذا ما فعله رولفو. لا يوجد كتاب يستحق القراءة مرة واحدة إن كان لا يستحق القراءة مجددًا عدة مرات”.
شرع عمودي غير المكتوب في تحرير تصحيح صغير ولكنه مهم على حجة سونتاغ الجميلة، بطريقة أو بأخرى.
كتب رولفو كتابين خالدين. لم أعرف أي رواية تقترب من الأوركسترا، الساحقة تقريبًا - لنطلق عليها أوركسترا - ذات الأصوات الدرامية المتعددة التي حققها في بيدرو بارامو. وكل ذلك في 124 صفحة فقط.
لكني أعود أيضًا إلى مجموعته (السهل يحترق) مرارًا وتكرارًا. على الرغم من أن القصص القصيرة تحتوي على بنية أقرب شبهًا بالشبكات، يمكنك العثور على بذور الرواية في القصص السابقة. ومع ذلك، أعود مرارًا وتكرارًا إلى كتاب رولفو الأول لتجربة شيء أكثر أهمية: كيفية الاستماع.
أنوي التركيز على قصة تدعى "لوفينا". حيث رجلان، مخمور ومسافر، متواجدان في حانة بلدة صغيرة لا اسم لها. يلعب أطفالها خارجًا بجوار النهر. المخمور، - في مقابل المشروبات -، يخبر المسافر المستمع عن البلدة التي يتجه المسافر إليها - مكان يدعى "لوفينا"، وهي مدينة تهب فيها الرياح بشدة، "حيث تنزع الأسطح عن المنازل كما لو كانت قبعات" والمطر يهطل لبضعة أيام فقط في السنة وبعض السنوات لا يهطل على الإطلاق. لوفينا، مكان يائس - جاف كالجلد القديم، بارد جدًا في الشتاء، حار جدًا في الصيف - حيث الشيء الوحيد المأمول فيه هو سلام الموت الحتمي نفسه. المخمور يتحدث ويتحدث. فيتبين أنه معلم سابق ذهب ذات مرة إلى لوفينا بآمال كبيرة.
يحكي: "في تلك الأيام كنت قويًا. وكنت ممتليء بالأفكار - أنت تعرف كيف نمتليء جميعًا بالأفكار. ويذهب الواحد منا مع فكرة تحقيق شيء منها في كل مكان. لكن الأمر لم ينجح في لوفينا. لقد خضت التجربة وفشلت".
فكرت كيف ظل المستمع صامتًا. طوال القصة، لم يقل كلمة واحدة ردًا على ما يخبره به المخمور. لا تعلم أبدًا ما يفكر به في رحلته إلى لوفينا. هل هو خائف؟ أم يعتقد بأن شبابه - لسبب ما تصورت المستمع شابًا - سيكون أقوى من شباب المخمور؟ هل يعتقد أن لوفينا لن تهزمه كما فعلت بالمعلم؟
عند نقطة ما، صمت المخمور للحظات وحل هدوء. صوت الراوي، كان يحوم فوق القصة في تلك اللحظة ليخبرنا بما يجري في شريط الأحداث بينما كان المخمور يتحدث:
"دخل النمل الطائر واصطدم بمصباح الزيت، وسقط على الأرض بأجنحة محروقة. وفي الخارج استمر الليل في التقدم".
بدأت أفكر: ما الذي يمكنني قوله حول مكان مثل "لوفينا" ولا يشمله هذا السطر الوحيد؟ واستمر الليل خارجًا في التقدم. أليس الأمر كذلك؟ وبالنسبة لنا جميعًا؟ دائمًا؟
في النهاية، أخذت دور المستمع وقررت أن الطريقة الصادقة الوحيدة للإشادة بهذه القصة - وبرولفو - تتمثل في الاحتفاظ بأفكاري لنفسي. ربما يكون هذا هو الحال عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الأكثر حميمية، كالعلاقة بين الكاتب والقارئ. إنها لا تحتاج إلى شرح. ليس من الضروري أن يتم عرضها. هكذا تراجعت عن تعهدي بعدم الكتابة لإنهاء ذلك العمود.
اليوم، أجلس متنزهًا على مائدة في منتزه بوتانو الحكومي، ليس بعيدًا عن بيسكاديرو، بكاليفورنيا. بينما تجلس عائلة ما، أعتبرها روسية، على بعد أمتار قليلة مني، وقد استمتعت بالاستماع إليهم خلال الساعات القليلة الماضية. في البداية اعتقدت أن لديهم جدال ساخن وأنهم سيبدأون قريبًا بقتل بعضهم البعض باستخدام أدوات المائدة. (وفي الحقيقة، في مرحلة ما، تحرك أحدهم عبر المائدة وصفع آخر على رأسه بما بدا لي قطعة كبيرة من اللحم) ولكن أصبح من الواضح أن هذه هي الطريقة التي تتحدث بها هذه العائلة على الغداء.
لا يوجد سوى خمسة منهم، ويبدو أنهم أم وأب، عمرهم في حوالي السبعين عامًا أو نحو ذلك، وربما أبنائهم البالغون الثلاثة، رجلان وامرأة، هم جميعًا بين أواخر الثلاثينيات، وأوائل الأربعينيات.
خمسة فقط منهم لكنهم يصنعون ضجيج عشرين من غزاة القوزاق. إنهم جميعًا ضخام، ومع ذلك فإن أصواتهم هي الضخمة حقًا - فهم يضحكون ويضحكون ويضربون على الطاولة. وهنا أشعرتني لغتي الأحادية بالعار مجددًا. اللعنة على هذا، في حياة أخرى، سأتعلم اللغة الروسية حتى إذا قتلتني. سوف أقرأ شيخوف وبابل، سأتنصت على المحادثات الأكثر حميمية للبلد بأكملها.
لقد جئت إلى هذا المكان من أجل بعض السلام وبدلاً من ذلك أصبحت مفتتنًا بهذا الصخب. كما تثقب الأشجار. إنهم هؤلاء الأشخاص المجانين والرائعين الذين لن أفهمهم أبدًا. لقد جئت من أجلهم. ولسبب ما، تذكرت العمود الذي لم أكتبه. ما علاقة خوان رولفو، سيد الصمت، بغداء دوستويفسكي المزدهر على المائدة المجاورة؟ ليس كثيرًا، بالطبع، على الأقل فيما يبدو على السطح، لكنني جالسًا هنا، ويدور بذهني أن رولفو قد يستمتع بذلك أيضًا.
ترى هل أفعل ذلك وحدي؟ أم تتواصل مثلي في بعض الأحيان مع كتاب موتى كما هو الحال مع أصدقائك الموتى؟
ربما كانت تلك اللحظة توريطًا مني لرولفو في الشعور بالذنب، بسبب ما عاهدت نفسي به منذ فترة طويلة وفشلت في تحقيقه.
أيا يكن، فهو هنا (بقميص أبيض لامع، وكاميرا معلقة على كتفه) وأفكر في قصصه وكيف أنها تدور في كثير من الأحيان حول شخصيات تحكي قصصًا لأخرى.
وإذا كان عليّ أن أخمن ما يتحدث عنه أصدقائي في المائدة المجاورة، فسأقول إنهم يروون قصصًا لبعضهم، قصصًا ربما سمعها كل منهم مرات لا تحصى بالفعل.
هكذا: لا أقول فقط، بل أكرر. بأن أعمال رولفو، تدور في صميمها حول الأشخاص الذين يبذلون قصارى جهدهم لإغراق أنفسهم بالقصص، التي لا يتوقفون عن سردها مطلقًا.
لهذا السبب، قبل كل شيء، أعتقد أن خوان رولفو معي هنا في تلك الحديقة العامة والغامضة، في تلك النزهة الخلابة، يستمع إلى لغة أفترض أنه لا يستطيع فهمها أيضًا..
وأعتقد أيضًا - وكذلك شبح خوان رولفو - أن القصص التي يرويها أصدقاؤنا لبعضهم البعض، بطريقتهم الفريدة، تتعلق بما حدث للآمال والأحلام التي كانت لديهم جميعًا. في الآونة الأخيرة، بدأت أشعر بالإيمان الذي كان لدي في نفسي ينسل مني ببطء بعيدًا.
في أي مرحلة من حياتنا نقع في حب إخفاقاتنا الخاصة بحيث لا يمكننا التوقف عن الحديث عنها؟
إذن هي "لوفينا"، مع الاعتذار لخوان رولفو لعجزي عن الحفاظ على التبجيل الهادئ الذي يستحقه هو وعمله.
بينما أفكر في القصة الآن (وليس معي الكتاب)، أتذكر البنية البسيطة التي ذكرتها بالأعلى، في ملاحظاتي لعمود تم إجهاضه.
محلي، مخمور، يتحدث إلى شخص غريب. "تريد أن تعرف كيف تبدو لوفينا؟ سوف أخبرك كيف تجري الأمور في لوفينا..." ومع ذلك، كما أتذكر القصة، فإن أكثر ما أتذكره منها هي الخفافيش التي ليست خفافيش حقًا.
هناك شيء مختلف، عن تذكر بعض القصص بدلاً من إعادة قراءتها بالفعل. هكذا أصبحت "لوفينا" جزءًا من فوضى ذاكرتي الخاصة. قصة كتبها كاتب لم يضيع أبدًا كلمة واحدة فيها، لتصبح أقل شبهاً بالأدب، وأكثر شبهًا بما حدث لي شخصيًا.
أنا الرجل الموجود في البار الذي أعتقد أنني في النهاية سأغير حياتي في مكان يدعى لوفينا. وأنا الآخر الذي يستمع إلى مخمور يخبرني عن يومه الأول في تلك المدينة.
المخمور - بنسخته كمعلم شاب - يرسل زوجته للبحث عن بعض الطعام. لكن الزوجة تنفجر. تغادر المعلم وتتركه مع أطفالهم في ساحة البلدة، وإذا تذكرت ذلك بشكل صحيح، فقد ذهبت لساعات. أخيرًا، يذهب المعلم للبحث عن الزوجة المفقودة التي يجدها راكعة تصلي في كنيسة خالية. عندما يسألها المعلم ما الذي استغرق منها وقتًا طويلاً، تجيبه الزوجة بأنها لم تنته بعد من الصلاة.
لأنها، على عكس المعلم، أدركت أين ينتهى بهم المطاف، وأن تلك هي النهاية المجازية والحرفية، لوفينا.
في تلك الليلة، تنام العائلة في الكنيسة المتجمدة من البرد. وقبل الفجر بقليل، يستيقظ المعلم على صوتٍ غريب. في البداية يعتقد بأنه ضرب أجنحة الخفافيش. في منتصف نومه المثقل بالحزن، يذهب المعلم إلى باب الكنيسة ويرى مجموعة من النساء المسنات يرتدين الفساتين السوداء ويتحركن ببطء، بأباريق فارغة على أكتافهن. يسألهم عما يفعلنه في ذلك الوقت من الليل. فتخبره إحدى النساء - اللواتي ربما كن أشباح - بأنهن ذاهبات للحصول على الماء.
لم يحتاج رولفو إلى إخبارنا بأن نسيج فساتين النساء هو ما كان يصنع ضجة تشبه الخفافيش. هؤلاء النساء المسنات كانوا نوعا ما موكب من الموتى الأحياء. إن تذكر ذلك المشهد يجعلني أفكر في شوارعي الخاصة، وفي كل الشوارع التي عشت فيها، وجميع الأشخاص الذين اعتادوا على السير خلالها ذهاباً وإياباً، ممن رحلوا عنها الآن، بمن فيهم أنا.
وعلى الرغم من كل تلك العلامات، سيتمسك المعلم بالمحاولة في لوفينا. سيحاول القيام بذلك. وفي النهاية، بعد سنوات، سيهرب.
لكن للأفضل أم للأسوأ، سيصبح المكان هو قصته، القصة التي سيرويها ويعيد سردها لأي شخص - أنت؟ - من سيستمع (ويشتري له في المقابل مشروبًا، أو خمسة أو ستة)، إلى واحدة منهم، عن ذلك الوقت عندما كان يافعًا ومليئًا بالآمال.
كتب تشيخوفذات مرة قائلًا: "الروسي يحب تذكر الحياة، لكنه لا يحب العيش ذاته".
قد يكون ذلك صحيحًا بالنسبة لنا جميعًا. إخفاقاتنا هي قصصنا.
لقد فشلت هنا أيضًا. (فقد أمضيت وقتًا طويلاً في عمود حول عدم الكتابة.) في بعض الأحيان لا يمكننا أن نساعد أنفسنا، ينبغي أن نخبرهم بذلك. وأقول أن نخبرهم على نحو جيد، بالقصة، نخبرهم ببعض الزهد، لكن نخبرهم.
وعندما ينتهي القص، فمثلما انسحبت عائلة روس كاليفورنيا الآن، بعدما قضوا نزهتهم تمامًا، معيدين الكراسي إلى مواضعها في الحديقة، ومثل مخمور رولفو الذي يريح رأسه المرهق على البار، فسيحين الوقت للنوم.