8 يوليو 2019

أحب الطبيعة أكثر.


أنا لا أحب البشر أقل.. أنا أحب الطبيعة أكثر.
حاولت كثيرًا ان أبرر عدم محبتي للانخراط والاختلاط المفرط مع البشر. في الماضي كنت أعتقد أن البشر والطبيعة نصفان يكملان أحدهما الآخر. بمرور الوقت أدركت أن البشر يصيرون مع الوقت كائنات ضد الطبيعة. تسقط العفوية والمحبة وحب الأرض في شخوصهم وتظهر أشياء أخرى. أشياء للحقيقة لا يسعني التعامل معها. كي لا أفقد نفسي رغمًا عنها. فعلتها مسبقًا في صباي وندمت كثيرًا، ومن حينها تراجعت لمساحتي المفضلة من الناس والأشياء. أشعر بالخوف كلما قرأت خبرًا عن جريمة قتل أو اغتصاب أو تشويه، حتى هذه اللحظة. أشعر بالخوف مما أرى الإنسان قادرًا عليه من سوء في حق غيره وحق نفسه. 
 لقد بت أمرض من أي فعل قبيح أو يضطرني إلى رد فعل أقبح سأكره ما صار بنفسي بعده. ومن أن تنهال عليّ بعد ذلك الكلمات الجارحة. 
الكلام الجارح سكين، الكلام الجارح فأس قاتل في الصدر.
وحين يأتي الجرح كصفعة على وجوهنا من شخص كنا نحمل له حبًا بالخصوص، يتحول إلى حطاب يشق الصدر بفأسه. هذا شيء أبعد من المغفرة، سير على شوك لا يمكنني معاودته، الكلام الجارح فأس يقف بيني وبينه، وقلبي ينتظر بحزن أن تمتد يده للفأس مجددًا. لا أستطيع أن أثق بشخص شق صدري مجددًا، وخاصة بعد أن كان داخله.. كيف يمكن غفران شق الصدر بفأس حتى ينزف ولا يلتئم. كيف يمكن تقبل صناعة الجروح من يد وضعنا لها الحب في يدنا.. الكلام الجارح جريمة قتل ممن نعرفهم وممن لا نعرفهم.. وممن أحببناهم بالضرورة. لا شيء يمحوه.. ولا شيء يخيط جروحه أو يغفر ألمه. حين تجمعني اللحظات مجددًا بشخص جرحني لا أعود أراه أمامي.. لا يعود موجودًا بالنسبة لي. كل الكلام الجارح الذي ألقاه في وجهي يقف بيني وبينه. ولا يعود طريقًا يمكن أن أعاوده. بل قاطع طريق أملك له ردًا واحدًا: .. كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟!
/
أنا لا أحب البشر أقل.. أنا أحب الطبيعة أكثر.
‏الفترة التي كان من الممتع فيها خوض حديث مع شخص غريب انتهت بالنسبة لي منذ أمد. أنا حملت العدوى مبكرًا بالنسبة لفتاة حساسة تجاه الأذى وتجاه الرياح التي تحمل الضرر: فهم البشر.
أقيم جدرانًا عازلة بيني وبين الغرباء.. جدارًا تلو آخر.. وأسلاك شائكة، واختبارات، والكثير من الحذر والشك، فقط لأنني أحمل ندوبًا تكفي، من أن أخطيء الثقة والاختيار مرارًا. فقط لأنني أكثر هشاشة، من أن يصبحوا يومًا مقربين إلى الحد الذي يجعل باستطاعتهم جرح قلبي.
المؤلم أنني كلما أعطيت فرصة واسعة لغريب، وأعطيت معها قلبي.. كان يجرح ثقتي بشراسة أنسى معها يدي الطيبة، وأفقد الثقة تجاهها، يفعل بي ما يجعلني أعود مجددًا لمساحتي البعيدة من الأمان، والرفض. كخرافة سالمة.
لست كائنًا ضعيفًا، ولطالما على العكس كنت صلبة كفاية للتجاوز، تجاوز كل شيء، لكنه عالم غير صحي ولا يمكن العيش فيه بدون معادلات نجاة. كلٌّ يضعها حسب مفرداته.
هكذا، اعتدت أن أغلق الأبواب وحدي، وأعيد ترتيب ما أفسده الآخرون بداخلي.
/
أنا لا أحب البشر أقل.. أنا أحب الطبيعة أكثر.
لست انعزالية، أنا انتقائية. وأعترف بهذا. وهذا ليس ترفعًا كما يبدو، بل يأسًا. حماية لنفسي وحياتي. قدر ما استطعت. 
لكم أن تتخيلوا كيف صار يشعر شخص كان لزمن مرهف الحس فيما سبق، وكانت لديه فكرة طفولية جميلة عن أن العالم أخضر اللون وأن الناس جميعهم يغلب عليهم الخير، وقلة نادرة هم أوغاد بالفطرة، أو مروا بظروف سيئة جعلتهم أوغادًا، بعد احتكاكه المفرط بالعالم وأهله ولمس تشوهاته بباطن اليد.
من يتحسس بباطن كفه بما يكفي لمعرفة العالم. فيما بعد يدرك عليك أن تكون حادًا، شائكًا مثل قنفذ، مبهم مثل ورقة مبللة اختلط حبر الكلمات بالماء فيها فاختفى النص، قاسيًا مثل صخرة لا تُخدش مهما كانت المحاولة، حتى تتمكن من العيش مع هؤلاء في مكان واحد. وللأسف أنني حاولت القسوة لكنني فشلت. طالما أنني مرئية بما يكفي للآخرين فهذا يستدعيهم ليخرجوا من جحورهم مستعدون للقفز على حياتي وقلبي. لذا عليك أن تكون لا مرئيًا في ذروة حضورك بقدر ما تستطع. عليك ألا تكون مكشوفًا.
إنك ترتكب أكبر زلاتك حين تصبح مكشوفًا تمامًا أمام الآخرين. هذه لا تعد شفافية ولا يعد الأمر إخلاصًا أيضًا.. إنك تمنحهم بكل بساطة وسيلة التخلص الأسرع منك.
شيء مخيف أن تعطي كل مقابض السكين التي تستطيع جرحك لأحدهم وتصبح عاريًا أمامه هكذا..
احتفظ دائما بالأوراق الناجية في أدراجك الخاصة.. بعيدًا عن الطاولة.
الأوراق الأكثر أهمية، الأكثر حساسية..
ومهما خسرت لا تراهن على أحدهم بها.
/
أنا لا أحب البشر أقل.. أنا أحب الطبيعة أكثر.
هكذا كان مقدرًا لي أن أحب صورة عزلتي المختارة أكثر من الصورة التي لا تشبهني وأكرهها عن نفسي والتي صار علي لكي أنجو من الأذى أن أصنعها في مواجهة لسكاكين العالم كل يوم.
بينما يقتل الانسان أخيه، أو يأكل لحمه ميتًا.. الدلافين تقبّل القطط؛ والغزلان تركض فداءًا لبعضها أمام قرار القناص!، وقطتى تربت على صدرى برفق الصديقة التى تعرف ما به، حين يرتجف قليلًا تحت بلوزتى.. دون أن تخجل من عيناى العسليتان بينما تراقبانها بابتسامة خفيفة.
الحيوانات؛ على الفطرة.. لا تعرف ادخار المشاعر أو الخجل من الحب؛ ولم تفسد السوداوية والمنافسات نظافة روحها أو تسلبها قدرتها على الرحمة بعد !
لا أحب البقاء بجانب البشر كثيرًا. وأخاف إطالة الاحتكاك بالغرباء. أحب البقاء بجانب الأطفال. أنسى نفسي إلى جانبهم. وبجانب الأشجار. والحيوانات. وبجانب من أحبهم ويحبونني بصدق، وأنجو معهم من الألم والأذى على هذه الأرض.
أنا لا أحب البشر أقل.. أنا أحب الطبيعة أكثر.