واحد من أجمل الخطابات التي تلقيتها في حياتي كتبه لي أستاذي للغة العربية وصديقي لسنوات طويلة.. كنا نناديه "مستر سيد".. لكني كنت أخاطبه بمودة "يا بروف" .. كان صديقي وملهمي، وكنا نقرأ الكتب والروايات ونهديها لبعضنا ونتقابل للتمشية والحكي الذي لا نمله، ولا أتوقف عن زيارته في المدرسة متجهة لحجرة اللغة العربية التي أحفظها حفظًا كما لو كنت أحد مدرسيها الذين صادقتهم جميعًا كزميلة لا كطالبة، أحفظ مكان الشاي والقهوة والبسكويت وأجلس معهم على الطاولة نضحك ونثرثر كما لو كنت عائدة لتوي من حصة بجدول تدريسي بالدور الرابع. أشكو له من أخطائي النحوية في كتابتي، وأنني لا أفهم كيف أحب النحو كثيرًا وأخطيء هكذا. فيقول بحكمة أدركتها أنني سأجرب كيف سأحب الحياة ذاتها وأخطيء فيها.
مع هدية احتفالي بمغادرة المدرسة للأبد أرفق الكلمات مع شكمجية ملونة صغيرة: "إلى الهدوء الشقي، والشقاوة الهادية.. إلى الطفولة الناضجة، والنضج الطفولي.. الآنسة أسما، أؤكد لك أن كل من تبتسمين له لن يصدق أن الموت يمكن أن يواري ابتسامتك.. فابتسمي دائمًا."
في ٢٠١٦ كمثل هذا اليوم تلقيت خبر وفاته، وعرفت أنه سبقني وتوقف عن الابتسام للأبد.
لازلت أفتح خطابه القصير مرارًا وأفكر بحنان أنني أحببت هذا الخطاب أكثر من أي شيء تلقيته في ذلك الزمن.
اليوم تحل ذكراه الخفيفة اللطيفة على الخاطر.. كنسمة.
كم أحببته، وكم أفتقده.. أفكر بأنني أتمنى لو أرشح له كتبًا كثيرة هناك في نومه الطويل وأخبره عن أشياء عديدة فاتته من عمري، وأشياء أكثر كنت أتمنى لو آخذ رأيه بخصوصها وكان إلى جانبي.. كم هذا مؤسف، أن الموت ينتقي من يصنعون الجمال الأكبر. ومن يدركون قيمة أن لا يدفن التراب ابتسامة جميلة.