حوار: شريف صالح

الجمعة 16 نوفمبر 2018
لكل منا بداية.. وما أجمل البدايات.. محبة أول كتاب قرأناه.. وفرحة أول جائزة.. كُتاب تركوا فينا بصمة لا تمحى.. وكلمة شجعتنا على مواصلة الطريق.. أصدقاء وأفراد من الأسرة احتفوا بنا وآخرون تمنوا لنا الفشل.. وعبر رحلة الكتابة تولد طقوسنا ومزاجنا الخاص.
«النهار» تحتفي هنا بتجارب المبدعين وبداياتهم.. وفيما يلي دردشة مع الكاتبة والشاعرة أسما حسين:
هل تذكرين أول كتاب وقع في يدك؟
تلك حكاية طريفة بذاتها. وربما أسطورة صغيرة تخصني وأحب سردها. كان عمري 8 سنوات فقط، حين اتجه شقيقي الأكبر للتخلص من مكتبته القديمة طاردًا الكتب كضيف غير مرغوب به خارج المنزل، شعرت بالحسرة لمصيرها، كانت كنزًا بالنسبة لي، اعتبرت الكتب أصدقاء مقربين دائمًا، ولا أحد يتخلى عن أصدقائه. لملمتها بما يشبه الاعتذار وأدخلتها غرفتي إلى جانب كتيباتي الصغيرة وبدأت رحلتي معها. كان الكتاب الأول الذي وقع اختياري عليه ليحيى الطاهر عبد الله: «حكايات للأمير حتى ينام»، وللمصادفة كانت أول مصافحة لي مع القصة القصيرة، وهي لوني المفضل الذي أنحاز له دائمًا انحيازًا متطرفًا. كما أنحاز لكتابة يحيى الطاهر.
جائزة.. أو كلمة.. شجعتك على مواصلة الطريق؟
قد يكون ذلك غريباً، كما يظل ساحرًا بالنسبة لي، لكن كل الجوائز والكلمات والخطى التي شجعتني كانت أمي. كل ما يصدر عن أمي كان دافعًا لي، كنت طفلة سرية الموهبة في الكتابة والرسم، لم أستعرض مواهبي بحرية سوى معها. لن أذكر أسماء لكتاب كبار أرشدوني هنا وتحمسوا لي، بل أذكر امرأة خافتة الوجود، كانت تشجعني وتدفعني لتطوير موهبتي وتوفر لي ما أرى. والسبب الأول الذي شجعني للنشر كان حين تخبرني أنها تنتظر أن تمسك بكتابي الأول وكتبي التي تليه بين يديها. في البداية، كنت أنشر لأجلها وأتحقق لأجلها، قبل أن أشكّل منها نفسي وتحققي الخاص وألوّح لها بكل شيء في الخفاء.
كاتب ترك بصمة مهمة عليك؟
ميلان كونديرا، ونجيب محفوظ، وطارق إمام، وخوان خوسيه مياس، ويحيى الطاهر عبد الله، وإبراهيم أصلان، وربيع جابر، وإيمان مرسال.
كل منهم يحمل مفتاحًا مختلفًا لغرفة تخص العالم بقدر ما تخص الأدب بداخلي. كذلك أحب الكاتب الذي لا يحاول أن يشيد العالم ثم ينهار، بل يفكك العالم إلى مفردات جديدة ليشيد آخر. يسحرني الكاتب الذي باستطاعته خلق مخلوقات جديدة من عدم أكوان موازية ولا يكتب اسقاطًا على المتاح من مخلوقات وعوالم.
متى وكيف نشرت أول نص لك؟
للأمانة لا أذكر تحديدًا، وقد حدث ذلك مؤخرًا من العمر بالتأكيد. كل نصوصي ماضيًا كنت أحتفظ بها لنفسي وأعمل عليها في صمت، ولا أشاركها سوى مع والدتي تقريبًا. وفي عمر 18 سنة خضت تجربة النشر الالكتروني وكانت بضعة كتابات خفيفة ينقصها النضج بالتأكيد. لذلك لم أهتم بالعودة لها. ثم قدمت قصتي القصيرة الأولى بمسابقة أدبية فلسطينية، وفزت. كانت عن العودة التي تشغلني دائمًا. وبعد فترة بدأت النشر في عدة مجلات ثقافية.
كيف تفهمت الأسرة رغبتك أن تصبحي كاتبة؟
ـ شغفي الأول كان بالرسم وخلق المشهد الملون، وكان طالعي يشير إلى الوجود داخل اللوحة حتى التيه. وهو ما لم يرق لوالدي كثيرًا، والذي رأى الفن مسلكًا خرافيًا كرجل عسكري في المقام الأول. وبالتالي كان ممتنًا ومشجعًا لخروجي عن اطار اللوحة ودخولي للصفحات الممتلئة باللغة من باب كتابة الأدب. والذي كان حلمي الآخر. خاصة مع دعمه لاتجاهي لدراسة الصحافة.
هل هناك أصدقاء شجعوك؟
العديد من الأصدقاء كان لهم أثرًا محبًا لا أنساه، وبالطبع كان لأصدقائي المحبين آراء طيبة ومحبة، وفي هذا الشأن كنت بطبيعتي أمتن للمديح ولا أعتمد عليه بالضرورة لأن بلوغ الرضا التام هو عطل للنضج الفني. وهناك قصص طريفة ولكن بغاية الرقة أتذكرها في ذلك الشأن. بداية من صديق دراستي الإعدادية الذي كان يحب نصوصي ورسوماتي واشترى كراسًا لجمعها داخله وصنع من الكراس مجلة وأسماها مجلة أسما وظلت معه لسنوات خلال عهدي به. ثم صديقتي التي طلبت مني مازحة كتابة حكايات تستطيع روايتها لطفلتها الأولى مساء لجهلها بالأمر، وصممت بالفعل كتابًا صغيرًا أهديته لها، فصارت تروي منه حكايات النوم، وأخبرتني أنني بذلك صرت الكاتبة المفضلة لطفلتها منذ نعومة أظفارها.
ما هي طقوسك مع الكتابة؟
لا تلزمني طقوس محددة، أكتب في مختلف الظروف تقريبًا، ربما أميل للاستماع لعمار الشريعي وإليني كارايندرو بشكل اختياري. لا أعني بالمكان كثيرًا، أكتب في المواصلات والعمل والمنزل والحدائق، لكني لا أكتب أبدًا في وجود أي شخص برفقتي أو أثناء تواصل ما، تلزمني الوحدة النفسية للكتابة والبشر يمرضون مخيلتي بشدة. لا أكتب بخط يدي مطلقًا، ولا توجد لدي مسودات، عقلي هو مسودتي الوحيدة، أقلّب داخلها الفكرة وأحررها متى كانت بحاجة لذلك، حتى تتشكل لصورتها المثلى داخلي، ثم تخرج مباشرة. يمكنني العودة للنص والتحرير بعد ذلك، كاكتشاف حجرات جديدة في النص عند كل عودة.
تجربة أول كتاب نشرته؟
في الحقيقة لا أعرف هل أميل لاعتبارها طريفة أو مؤسفة، فقد حملت كلا الجانبين بامتياز، في عملي الأول رغم بساطة القصص وقلة نضجها سرديًا قياسًا على عمري الصغير آنذاك 19 عامًا، فقد رفضتها دار النشر الأولى بسبب «جدية» الموضوعات بداخلها، وحاجة «السوق» الأدبي التجاري للرواية ولتكن خفيفة مثيرة أو رومانسية لجذب الشباب، ونصحني الناشر باستغلال الكتابة النسوية العاطفية كفتاة لتحقيق شعبية واسعة بجيلي، ثم أصدرت مع ناشر آخر المجموعة ذاتها وكانت تجربة لا تقل أسفًا وطرافة للحق. لا أعتبر نفسي محظوظة في الخطوات الأولى. وأعتقد أن ذلك ما صار يواجه أغلب الشباب في بداياتهم حاليًا من قصص مكررة مع دور النشر التجارية وترفّع الدور الكبرى عن الالتفات للتجارب الجديدة. إنها تجربة بديهية لكل كتاب أول إلا فيما ندر. لكني لم أنشغل كثيرًا بالأمر لمتعتي بالكتابة ذاتها. وبمجرد أن يصل النص عند صورته الأخيرة وأشعر بالراحة تجاهه، أعتبر أنني قد نجحت.
ماذا تعني لك الجوائز؟
«شوية فلوس زيادة». المعنى الوحيد الحقيقي للكتابة داخل الصفحات. الذائقة نكهة متغيرة وليست نصًا سماويًا لا يحيد، والجوائز هي بضعة نقود إضافية في اليد ليس إلا.
كتاب تمنيت كتابته؟
لنقل، الكثير. لكني لم أتمن كتابتها بالضبط، بقدر ما حرضتني للتأمل والكتابة الجيدة. الشعر الجميل في مطلقه محرض عظيم لي، ومن السرد: «هكذا كانت الوحدة» و«من الظل» لخوان خوسيه مياس، «الكتب التي التهمت والدي» لأفونسو كروش، «الطوق والأسورة» ليحيى الطاهر، وهناك أيضًا «سارقة الكتاب» لماركوس زوساك والذي وجدته يتماس للمصادفة مع إحدى الأفكار الفانتازية في بنية روايتي الأولى الخاضعة للكتابة، لكنه من أكثر الأعمال عبقرية وعذوبة. وبالطبع «لعبة العروش» لجورج مارتن الذي أعتبره العالم الأكثر تعقيدا وذكاء الذي صنعه كاتب مؤخرا.
عمل تخططين لإصداره قريباً؟
انتهيت مؤخرا من مجموعة قصصية، هي الثالثة لي، اتجهت فيها للتجريب السردي في إطار الواقعية السحرية، أو الفانتازيا، الإطار المفضل والأحب لي كقارئة أولًا. وأنا سعيدة بذلك لأن من أجمل ما يحدث للكاتب أن يكتب ذوقه الخاص.
حكمتك؟
لكي تحب نصك، عليك أن تقسو عليه أولاً.
رابط الموقع: