علاقتي بأبي غريبة وطريفة. بدأنا حبيبين ثم اختلفنا في المنتصف ثم عدنا صديقين. منذ سنوات طويلة اختلفت معه على مساري للحياة وظللت مستاءة لزمن، حتى عدنا أصدقاء. ذات ليلة شاهدت فيلمًا دراميًا يفقد الأب فيه ذاكرته جزئيًا "مصاب ألزهايمر"، شاهدت كيف يتصرف كيف ينسى كيف يعامله أبناؤه بقسوة وجحود، لم أحتمل وظللت أبكي وأبكي بضعف، بكيت لأني لم أحتمل القسوة تجاه ذلك الأب، وبكيت أكثر لأني لم أتحمل تخيل والدي مكانه، من يومها وأنا أخاف أن ينسى ذلك النسيان المر. أسرعت للإمساك بالهاتف واتصلت به لأطمئن عليه بارتباك مفضوح وبقايا بحة دامعة، كنت أريد الاطمئنان أنه هنا وأنه يتذكرني دائمًا. ومن ذلك الحين، كلما غضب مني أو غضبت منه أذكرّ نفسي بخوفي من أن ينسى، أن يستيقظ هكذا وينساني.. شيئًا تذكرته بالضرورة أثناء غضبته الأخيرة مني تلك المرة، على غرابتها ولا منطقيتها، خلال سفري أتصل به يوميًا، لأطمئن عليه وأسمع الكثير من الشكاوى الغاضبة والتشنجات التي أقابلها بالحوارات والشروحات الملطفة والضحكات أحيانًا، ذات مرة نعتني بالقسوة ولم أستطع ردًا، القسوة هي آخر صفة سيئة يمكن وصمي بها، لكنه عاد لمحادثتي معتذرًا بأنه يدرك أنني أبعد ما أكون عن القسوة. صرت أدرك مفارقات سنه وأتحملها منذ وقت لا بأس به، أحيانًا يوبخني، أحيانًا يغضب عليّ ويخاصمني لأيام، أحيانًا يغلق الخط في وجهي، وأحيانًا يخطيء بحقي أو يصدني وأشعر بالإهانة، لكني لا أتراجع وأحاول مجددًا، وأحيانًا يقولها لي هكذا بطفولة وقسوة عليّ تفلت منه هو بالخطأ: لا تعودي مجددًا. أو: لست بحاجة إليكِ. لكني رغم كل هذا، ألملم كرامتي المبعثرة يوميًا مع شيخوخة مزاجه بالملقاط، وأبتسم أمام تشنجاته، وأحتمل نوباب وسوسته، وألتصق به رغمًا عنه. لن أحتمل أن أناديه يومًا ولا يتعرف عليّ، لن أحتمل أن ينسى. أن ينساني. رغم كل شيء كان أو سيكون، أعود كلما أخبرني بطيش ألا أعود.. وأضحك على أحواله معي كما أضحك على النكات.. يغضب كل يوم لسبب مختلف، وأبتسم كل يوم.. وأعود دائمًا.. لأني أخاف أن ينساني.
14 سبتمبر 2018
أبي
علاقتي بأبي غريبة وطريفة. بدأنا حبيبين ثم اختلفنا في المنتصف ثم عدنا صديقين. منذ سنوات طويلة اختلفت معه على مساري للحياة وظللت مستاءة لزمن، حتى عدنا أصدقاء. ذات ليلة شاهدت فيلمًا دراميًا يفقد الأب فيه ذاكرته جزئيًا "مصاب ألزهايمر"، شاهدت كيف يتصرف كيف ينسى كيف يعامله أبناؤه بقسوة وجحود، لم أحتمل وظللت أبكي وأبكي بضعف، بكيت لأني لم أحتمل القسوة تجاه ذلك الأب، وبكيت أكثر لأني لم أتحمل تخيل والدي مكانه، من يومها وأنا أخاف أن ينسى ذلك النسيان المر. أسرعت للإمساك بالهاتف واتصلت به لأطمئن عليه بارتباك مفضوح وبقايا بحة دامعة، كنت أريد الاطمئنان أنه هنا وأنه يتذكرني دائمًا. ومن ذلك الحين، كلما غضب مني أو غضبت منه أذكرّ نفسي بخوفي من أن ينسى، أن يستيقظ هكذا وينساني.. شيئًا تذكرته بالضرورة أثناء غضبته الأخيرة مني تلك المرة، على غرابتها ولا منطقيتها، خلال سفري أتصل به يوميًا، لأطمئن عليه وأسمع الكثير من الشكاوى الغاضبة والتشنجات التي أقابلها بالحوارات والشروحات الملطفة والضحكات أحيانًا، ذات مرة نعتني بالقسوة ولم أستطع ردًا، القسوة هي آخر صفة سيئة يمكن وصمي بها، لكنه عاد لمحادثتي معتذرًا بأنه يدرك أنني أبعد ما أكون عن القسوة. صرت أدرك مفارقات سنه وأتحملها منذ وقت لا بأس به، أحيانًا يوبخني، أحيانًا يغضب عليّ ويخاصمني لأيام، أحيانًا يغلق الخط في وجهي، وأحيانًا يخطيء بحقي أو يصدني وأشعر بالإهانة، لكني لا أتراجع وأحاول مجددًا، وأحيانًا يقولها لي هكذا بطفولة وقسوة عليّ تفلت منه هو بالخطأ: لا تعودي مجددًا. أو: لست بحاجة إليكِ. لكني رغم كل هذا، ألملم كرامتي المبعثرة يوميًا مع شيخوخة مزاجه بالملقاط، وأبتسم أمام تشنجاته، وأحتمل نوباب وسوسته، وألتصق به رغمًا عنه. لن أحتمل أن أناديه يومًا ولا يتعرف عليّ، لن أحتمل أن ينسى. أن ينساني. رغم كل شيء كان أو سيكون، أعود كلما أخبرني بطيش ألا أعود.. وأضحك على أحواله معي كما أضحك على النكات.. يغضب كل يوم لسبب مختلف، وأبتسم كل يوم.. وأعود دائمًا.. لأني أخاف أن ينساني.