4 يوليو 2018

على صدر البيت




هل استيقظت يومًا لتدرك أنك أكثر وحدة من بيتك. لا يخبيء بيتك كتفًا أو صدرًا في أحد أركانه، أي كتف وأي صدر حتى لو لميت. لا صدر أم غائبة تحاول عبثًا الحفر في جدران البيت لاستخراجه أو التفتيش عنه في رائحة الملابس القديمة، أو أب مريض تخشى إزعاجه وإقلاق خاطره بهشاشتك حين تحط رأسًا على كتفه وتسيل دمعة، أو حتى حبيب واحد حقيقي في شوارع عالمك قد يحبك أنت لا بشرتك، يصل لما تشعر تحت ملابسك وجلدك وأظافرك، فيلمس جبين قلبك برقة، فقط حبيب يطمئن ويهتم حقًا ويمنحك أمانًا دافئًا.. لا يطارد ويراوغ ويتلاشى من روحك كالسموم الكاذبة. أنت وحيد على الفراش حتى يصحو البيت قبلك وينظر لك مليًا في نومك الهاديء ولا يرى أحلامك. لا يرى كيف تسقط من الأدوار الشاهقة خائفًا دون أن ترى النهاية لأنك تخاف المرتفعات، ولا يرى كيف تموت أمك على طريق سريع تحاول عدم رسمه لأنك لم تكن هناك، ولا يرى كيف يتركك من تحب بقسوة ويمضي في الشارع الجانبي من الحلم ويتحول إلى كابوس لأنك تخاف كل من يصل إلى عتبة قلبك ليضع وهمًا مؤقتًا من صناعته أو أذى جديدًا ويأخذ حصة لا يستحقها من الحب ومنك.. تصحو من النوم مفزوعًا تتفقد صدرك لتتأكد أنه مكانه رغم الخواء الذي يشقه، تتفقد جلدك للتأكد من أن شيئًا من مخاوفك لم يمزقه ليخرج من تحته. تتفقد أصابعك لتطمئن أنها ليست مبتورة بعدد ما فقدته من أحلام كأصابع قلبك. ينظر لك البيت عاجزًا عن أن يمنحك كتفًا أو صدرًا لتسكن داخله ينظر لك بكل أسراره. تنظر لك الصورة على الحائط عاجزة أن تمد يديها لتقع في حضن أمك من الوقوف الطويل بلا محطة. تنظر لك الحقيبة متعاطفة تذكرك بموعد عملك وتعرض عليك تضحيتها بأن تقبل ابتلاعك في رحلة بلا عودة داخلها. يسألك الصباح هل تسقط في الصورة بين ذراعي أمك أم تغمض ساكنًا في صدر شخصًا يحبك داخل الحلم فقط أم تختبيء في الحقيبة بلا رجعة. وتختار أن تضع رأسك - صغيرًا حائرًا مغمضًا - على صدر البيت.