من أجمل التعبيرات التي صادفتها عن وصف ترجمة المجاز - والترجمة عمومًا - كان تعبيراً لعلي المجنوني: "الترجمة تضعك في حذاء الآخر".. وهذا في مقابل تعبير آخر يبدو جميلًا بلاغيًا لكنه ليس صحيحاً شعورياً ويبخس عملية الترجمة حقها للشاعر الهندي 'ستشدانندن' في قصيدة له عن ترجمة الشعر: "المترجم يضع رأس شاعر آخر فوق رقبته"..
أعتقد لأن المترجم ليست مهمته نقل النص وشفه لغويًا بلا حياة وكأنه قاموس ناطق كاتب، أو تركيب نص ما على لغته بالإرغام، إنما هو ينقل روح النص ومجازه المجسد ويقوم بتطويعه للغة الجديدة إذا لزم الأمر، دون الإخلال بنصه ومعناه الأصلي مع الحفاظ على نفس الحالة الشعورية وربما خلق حالة أوسع.. لذلك أنا مع الاعتقاد الدائم بأن المترجم من الأفضل أن يكون كاتباً بالأساس - حساً وليس بالضرورة احترافاً - وكاتباً ليس رديئاً بقدر ما تتطلب جودة الكتابة نفسها، لأن الترجمة هي عملية كتابة جديدة للنص في لغة أخرى، أي أنه يبدع النص للمرة الثانية، فيتطلب الأمر حساً كتابياً عالياً لتحويل عشب المرج إلى نبيذ دون الإخلال بمكوناته.
تعاطي الترجمة أشبه بتذوّق النبيذ.. إنما القيام بالترجمة أشبه بصناعته.
أيضاً، أضاف علي المجنوني في السياق ذاته، بأن: "المترجم يحرر الحدث دون أن يعبر النهر نفسه مرتين"..
لذلك، لا أفضل جملة "المترجم يضع رأس شاعر آخر فوق رقبته" - برغم إعجابي ببلاغة التشبيه ذاته كاستعارة حرة - وأفضل بلورة جملة 'علي المجنوني' عن المجاز في صيغة مفهوم آخر أنسب وأقرب:
"المترجم يضع نفسه في حذاء كاتب/شاعر آخر".
على جانب آخر، أحببت تعبير 'محمد آيت حنا' واتفقت معه حول قوله: "أترجم لأن الآخرين يكتبون أفضل مني" وأنا أعتقد بأني كثيراً ما أفعل الأمر نفسه كذلك.
أحياناً، نترجم لنضع أنفسنا في حذاء كاتب آخر، ربما يكتب أفضل منا، نترجم ما يشبهنا أو يروق لنا في نصوصٍ ليست لنا، نترجم ما وددنا قوله واستطاع آخر فعلها.. لكننا حين نفعل، لا نسير برأسه فوق رقبتنا بالضرورة.
فكل شيء نفعله هو ترجمة ما.
الكتابة في مطلقها، والمجاز في مطلقه.. ليسا أقل من دعوة لأن يضع شخص نفسه في حذاء وعدسة عين الآخر.