4 يوليو 2017

وحدن



"وحدن"؟ نعم "وحدن". هذه الأغنية التي ظللت أتعمّد سماعها كتمرين على النسيان، تعيدني في كل مرة إلى حالتي الأولى. كأننا ما زلنا سوياً. الغروب نفسه، الصمت الحميم عينه الذي بدا لي وقتها كأنه لا ينتهي، والذي لم ينقطع إلا عندما تفوهنا أنا وهي معاً بدندنة خافتة "وحدن بيبقوا متل زهر البيلسان".
وماذا لو بقيت وحيدًا ؟
أليس الأمر أفضل من أن تفني روحك في من لا يعرفك ولا يفهمها، ولا يرى أي منكما.
أليس أمان الوحدة المضمون مقدمًا، عوضا كافيا عن فزغ أن تهدر قلبك وحواسك بجوار من لا يرى في حبك سوى نفسه عادة.
أليست الوحدة على هذا النحو .. رحيمة وطيبة.
لأن الوحدة الجارحة، المُرة ، هي أن يكون المكان بجانب من معك .. يوحي ببعض الوحدة على الدوام.
- صرت أحب فيروز بسببك.
- ...
- ذلك لا يعني أنني لم أكن أحبها من قبل، لكن..
- ...
- كلما ذُكر اسمها أمامي تراءى لي وجهكِ انتِ لا وجهها. لماذا دائما تطلين لي كالشبح في صوتها ؟
لم أعرف بم أجيبه حينها، لكن لربما لو كان أمامي الآن ، قبل أن تجرفنا السنوات والخيبات بعيدا عن أحدنا الآخر، لأجبته أخيرا:
- ربما لأن السيدة دائمًا مثلي ، وحدها. تقول الست "قديش كان في ناس" وهي تتطلع إلى المحطات التي مر عليها قطار عمرها ومن عبروها خلالها ، تغني "وينن؟" وهي تتطلع إلى التصاوير القديمة المهترئة وتتأمل الرسائل المنسية في صناديق ذاكرتها .. وفي نهاية كل مطاف تسقي نباتاتها الطيبة بالنافذة، والقلب.. وهي تردد بتصالح ورقة "وحدن بيبقوا .. متل زهر البيلسان" متصالحة مع وحدتها بكل الدفء الباق في روحها.
ربما لأن "الست" مثلي .. اعتادت أنها في نهاية كل مطاف تظل كزهر البيلسان.. وحدها.