4 نوفمبر 2016

ليست الأنوثة..



أخاف إعلانات المكياج الثقيل، لطالما كنت. هذا هو ما أشعر به عند رؤيتها: الفزع. أخاف تحديدًا هذه الفكرة عن ردم الأشياء الحية بتربة سميكة لا تشبهها، ولكن ما أخافه أكثر هو فكرة السعي إلى جعل الجمال ممنهجًا ومرتبًا وبلاستيكيًا وغير طبيعيًا بالمرة.
وبنفس الطريقة هناك أناس عندما أراهم طريقة تعاملهم مع الجمال تشعرني بالفزع. بعض من التصرفات الفجة التي يعتقدون بأنها تظهرهم أجمل تشعرني بالفزع. فزع تشويه معنى الجمال نفسه.
بقدر ما أحب الجمال والاهتمام به وأقدر منتجات العناية خاصته، بقدر ما أرفض مسخه هكذا. أخاف فكرة جلوس امرأة تحت أيدي غريبة لساعتين أو أكثر لتراكم الأشياء على وجهها وتبدله تمامًا، ثم تعتبر نفسها بعد ذلك حرة. أو أنها لا تزال أنثى كما تعتقد.

الأنوثة، ليست في ما نخفيه بمستحضرات التجميل الثقيلة، إنها في مالا نستطيع أن نخفيه من حياة، تحت الرتوش التجميلية البسيطة. في الإبتسامة العفوية التي لا تظهر أمام المرآة، وأمام عدسات التصوير. بل لمن يجلس قبالتك وأنت تتحدثين بسرعة وتلقائية.
الأنوثة ليست في عينين بلا تجاعيد، أو وجه مبلور، إنها في اللمسة الطفولية لتجاعيد نلاحظها في عين نحبها.
الأنوثة لا تعني الإنقياد لما نظمّه وفصله من حولك عليكِ من معايير، إنما في فرض نمطك على الجميع مهما بدت غرابته. ليست في تنعيم صوتك بافراط واعوجاج لسانك، بل في وضوح صوتك حين تدافعين عن قلبك. ليست في انكسارك بدور الضحية الهشة، بل في صلابتك لحماية ما تحبين بعناد وجرأة. ليست في غنج المشية، بل وضوح وخفة خطوتك تجاه أحلامك. الأنوثة ليست بخفض صوتك بنبرة إثارة متعمدة، بل بحريته حين تعبرين عن نفسك وتحررين عواطفك. ليست في تعرية جلدك لفتنة رجل ما كي يحبك، بل في قدرتك على أن تصيري في جلد رجل ما إن أحبك.
الأنوثة أن تستيقظي من النوم يوميًا حرة.. حرة تمامًا.. فلا تخفي شحوبك، حين يعبّر عنك في ذلك اليوم. وأن تظهري نواقصك بثقة، كما تظهري سحرك. الأنوثة ليست في طلاء الأظافر الذي لا يصيبه خدش كما يقنعوننا، والمرآة التي لا تغادر حقيبتك، وأطنان البودرة التي "تردم" مسام بشرتك وتخنقها. بل في أن تتعاملي مع بثورك وخدوشك وشحوب وجهك وبحة صوتك وتآكل طلاء أظافرك بنفس البساطة التي تتعاملين بها مع كوب قهوتك صباحا. تتعاطينها بحب، كجرعة لازمة لكونك حية. وجزء حقيقي طبيعي منك. أن تكوني مع من حولك كما تكونين لوحدك، لست بحاجة لإخفاء عيوبك، لأنها جزء منك.
ولأن من يحبك، لن يحب جزءًا واحدًا مثاليًا وخارقًا منك. ومن رأى روحك، وأراد قلبك، سيسعد بالتجاعيد حول عينيك وفمك حين تبتسمين. والسخافات التي تتساقط منك أثناء وجودك معه، وأحمر الشفاه الذي سينمحي لاحقًا وينطبع على أطراف كوب القهوة وأنت تشربين، وستثرثرين بشفاه خالية من بقايا الحمرة.. ولكن فائضة بالحياة والحرارة، والحب.