لم يكن يعرف من المدينة سوى الوقت والطقس، والحجارة. وعلمته أن يحب تفاصيلها...
تعلّم أن المدينة ليست فى تجاعيد المبانى العريقة والزحام والأتربة، انها فى وجوه الصبايا.. خلف ضحكات الأطفال، وبين حكايا المسنين، وابتسامات الجميلات، وعلى أطراف ثوب امرأة صغيرة تحب ألفة المقاهى وتؤمن برفقة الشوارع أكثر من أى رفقة أخرى.
علمته كيف يكفر بالطرقات والمبانى والأعمدة. وينام على صدر مدينته القديمة كطفلٍ عارٍ من أى قيد أو شرط ويتصالح مع عيوبها العابرة. فيشتهى سمائها وأرضها ويحتوى أزقتها البسيطة.. ويشتهى النظر فى وجوه سكانها. وكيف يوقف أجراس العمل عن النبض قليلًا ويتخلى عن هاتفه وكل اتصاله بأصوات العالم الخارجى.. ويسير سعيدًا، صديقًا لكل الأشياء الطيبة.
أخبرته كيف أن كل قبلاته الحميمة لسجائره لن تساوي قبلة واحدة وعناقًا حميمًا مع امرأة تحبه.
قالت له أن كل الخرائط "على أية حال" لن تفسر حجم المسافة الحقيقية.. بين قلبها وعينيك. وأن كل تباينات الطقس بين عالمين لن تنقل له الحرارة مثلما ينقلها شعرها الساقط على وجهه. فلا تعد المسافات بينهما ذات جدوى.
قالت له أن رجلًا من الشوارع الباردة يكفيه أن يحب فتاة من الشوارع الحارة، وتحبه، ليتذوق روحها ويحمل حرارتها في كافة أجزائه. فيصير دافئًا للأبد.
وأن منها، من مثل هذه الفتاة، لا أحد يعود باردًا.. ومعه، مع مثل هذا الرجل، لا أحد ينسى ذاكرته.
هذه الشوارع تمتلىء بالفتيات .. الكثير من الفتيات !
ولكن من منهن تستطيع أن ترافق رجلًا يحملكِ فى كل أجزائه.